فصل: فَصْلُ: النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***


بَابُ‏:‏ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي

وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُكَاتَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ بِلْقِيسَ‏:‏ ‏{‏إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ‏}‏ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَاتَبَ وُلَاتَهُ وَعُمَّالَهُ وَسُعَاتَهُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَالطَّلَبُ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالشُّهُودِ وَرُبَّمَا كَانُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِهِ فَيَتَعَذَّرُ الْإِثْبَاتُ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ‏)‏ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ‏(‏فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ‏)‏ كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ وَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ‏(‏حَتَّى‏)‏ فِي ‏(‏مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ كَقَوَدٍ وَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِمَا‏)‏ كَنَسَبٍ وَنِكَاحٍ وَتَوْكِيلٍ وَإِيصَاءٍ فِي غَيْرِ مَالٍ وَحَدِّ قَذْفٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٌّ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، و‏(‏لَا‏)‏ يُقْبَلُ ‏(‏فِي حَدٍّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ زِنًا وَ‏)‏ حَدِّ ‏(‏شُرْبٍ‏)‏ مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ، وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا ‏(‏وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ‏)‏ أَيْ كَوْنِهِ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدٍّ لَلَهُ تَعَالَى ‏(‏ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي‏)‏ إلَى الْقَاضِي ‏(‏حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏عَلَى شَهَادَةِ‏)‏ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ‏.‏

‏(‏وَذَكَرُوا‏)‏ أَيْ الْأَصْحَابُ ‏(‏فِيمَا إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ‏(‏أَنَّهُ أَصْلٌ‏)‏ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ‏(‏وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ‏)‏ لَهُ ‏(‏فَلَا يَسُوغُ نَقْضُ حُكْمٍ مَكْتُوبٍ إلَيْهِ بِإِنْكَارِ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏الْكَاتِبِ‏)‏ كِتَابَهُ، ‏(‏وَلَا يَقْدَحُ‏)‏ إنْكَارُهُ ‏(‏فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ‏)‏ كَإِنْكَارِ شُهُودِ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ ‏(‏بَلْ يَمْنَعُ إنْكَارُهُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِكِتَابَةٍ ‏(‏الْحُكْمَ‏)‏ مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ قَبْلَ حُكْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ‏(‏كَمَا يَمْنَعُهُ‏)‏ أَيْ الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ‏(‏رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ‏)‏ قَبْلَ الْحُكْمِ، ‏(‏فَدَلَّ‏)‏ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ ‏(‏فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ‏)‏، وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا ‏(‏أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ أَصْلًا لِفَرْعٍ‏)‏ آخَرَ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ‏)‏ كِتَابُ الْقَاضِي ‏(‏فِيمَا حَكَمَ بِهِ‏)‏ الْكَاتِبُ ‏(‏لِيُنْفِذَهُ‏)‏ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، ‏(‏وَإِنْ كَانَا‏)‏ أَيْ الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ‏(‏بِبَلَدٍ وَاحِدٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

و‏(‏لَا‏)‏ يُقْبَلُ ‏(‏فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْكَاتِبِ ‏(‏لِيَحْكُمَ بِهِ‏)‏ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ تَقَبُّلُ شَهَادَةٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ‏.‏

‏(‏وَلَا‏)‏ يُقْبَلُ ‏(‏إذَا سَمِعَ‏)‏ الْكَاتِبُ ‏(‏الْبَيِّنَةَ وَجَعَلَ تَعْدِيلَهَا إلَى الْآخَرِ‏)‏ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ‏(‏إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ‏)‏، فَيَجُوزُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ كَشَهَادَةِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ وَلَوْ كَانَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ لَا يَرَى جَوَازَ الْحُكْمِ بِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِخَبَرٍ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ قَالَ‏:‏ وَلِلْحَاكِمِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ الثُّبُوتُ الْحُكْمُ بِهِ إذَا كَانَ يَرَى صِحَّتَهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ‏:‏ وَيُتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنْفِذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ الْمَالِكِيُّ بَلْ قَالَ ثَبَتَ هَكَذَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ ثُمَّ إنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ، وَقَالَ‏:‏ وَلِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَمَعَ قُرْبِهَا الْخِلَافُ‏.‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ‏(‏أَنْ يَكْتُبَ إلَى‏)‏ قَاضٍ ‏(‏مُعَيَّنٍ وَ‏)‏ أَنْ يَكْتُبَ ‏(‏إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ‏)‏ الْكِتَابُ ‏(‏مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ‏)‏ وَحُكَّامِهِمْ بِلَا تَعْيِينٍ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ كِتَابُ حَاكِمٍ مِنْ وِلَايَتِهِ وَصَلَ إلَى حَاكِمٍ فَلَزِمَ قَبُولُهُ كَمَا لَوْ كَانَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ‏.‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِقَبُولِهِ‏)‏ أَيْ كِتَابِ الْقَاضِي وَالْعَمَلِ بِهِ، ‏(‏أَنْ يَقْرَأَ‏)‏ الْكِتَابَ ‏(‏عَلَى عَدْلَيْنِ وَيَعْتَبِرَ ضَبْطَهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ نَصًّا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ‏(‏ثُمَّ يَقُولَ‏)‏ الْقَاضِي لِلْكَاتِبِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا‏:‏ ‏(‏هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ‏)‏ أَوْ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ ‏(‏وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِمَا‏)‏ أَيْ الْعَدْلَيْنِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِمَا، ‏(‏فَإِذَا وَصَلَا‏)‏ بِالْكِتَابِ إلَى عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ‏(‏دَفَعَاهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقَالَا‏:‏ نَشْهَدُ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ هَذَا الْكِتَابَ ‏(‏كِتَابُ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏فُلَانٍ إلَيْكَ كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ‏)‏ وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ‏:‏ وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كَتَعْيِينِ شُهُودِ الْأَصْلِ أَيْ‏:‏ فَيُشْتَرَطُ ‏(‏وَالِاحْتِيَاطُ خَتْمُهُ بَعْدَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمَا‏)‏ صَوْنًا لِمَا فِيهِ‏.‏

‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ الْخَتْمُ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا عَلَى الْخَتْمِ‏.‏

وَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا إلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّهُ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ فَاتَّخَذَ الْخَاتَمَ، وَاقْتِصَارُهُ أَوَّلًا عَلَى الْكِتَابِ دُونَ الْخَتْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِيَقْرَأَ كِتَابَهُ، ‏(‏وَلَا‏)‏ يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ ‏(‏قَوْلُهُمَا‏)‏ أَيْ الْعَدْلَيْنِ ‏(‏وَقُرِئَ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ‏)‏ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ، ‏(‏وَلَا قَوْلُ كَاتِبٍ‏:‏ اشْهَدَا عَلَيَّ‏)‏ بِمَا فِيهِ كَسَائِرِ مَا يَتَحَمَّلُ بِهِ الشَّهَادَةَ، ‏(‏وَإِنْ أَشْهَدَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَدْلَيْنِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْكِتَابِ ‏(‏مَدْرُوجًا مَخْتُومًا لَمْ يَصِحَّ‏)‏؛ لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِالشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَار فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ؛ وَلِأَنَّ الْخَطَّ يَشْتَبِهُ وَكَذَا الْخَتْمُ فَيُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَكِتَابُهُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي ‏(‏فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ‏)‏ كِتَابُهُ ‏(‏بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ‏)‏ بِغَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ‏.‏

‏(‏وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ‏)‏ أَيْ الْقَاضِي ‏(‏فِي حَيَوَانٍ بِالصِّفَةِ اكْتِفَاءً بِهَا‏)‏ أَيْ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ كَالدَّيْنِ ‏(‏كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ‏)‏ بِالصِّفَةِ فَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ مَجِيءُ إنْسَانٍ بِصِفَتِهِ فَيَقُولُ‏:‏ أَنَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ و‏(‏لَا‏)‏ تَكْفِي الصِّفَةُ فِي الْمَشْهُودِ ‏(‏لَهُ‏)‏ بِأَنْ يَقُولَا‏:‏ نَشْهَدُ لِشَخْصٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا بِكَذَا لِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ دَعْوَاهُ، ‏(‏فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ ‏(‏فِي صِفَتِهِ‏)‏، بِأَنْ زَالَ اللَّبْسُ لِعَدَمِ مَا يُشَارِكُ فِي صِفَتِهِ ‏(‏أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ‏)‏ الْمَشْهُودُ لَهُ بِهِ ‏(‏بِكَفِيلٍ مَخْتُومًا عُنُقُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَبْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ بِأَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ نَحْوَ خَيْطٍ وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ شَمْعٍ، ‏(‏فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ‏)‏ لِزَوَالِ الْإِشْكَالِ ‏(‏وَيَقْضِي لَهُ بِهِ وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا‏)‏ آخَرَ إلَى الْقَاضِي الَّذِي سَلَّمَهُ لَهُ بِكَفِيلٍ لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ مِنْ الطَّلَبِ بِهِ بَعْدُ، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ‏)‏ بِأَنْ قَالَ الشُّهُودُ‏:‏ إنَّهُ لَيْسَ الْمَشْهُودَ بِهِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ فِي يَدِهِ ‏(‏كَمَغْصُوبٍ‏)‏ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏

‏(‏وَلَا يَحْكُمُ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏عَلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ‏)‏ بِأَنْ قَالَا‏:‏ نَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا إنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْ هَذَا كَذَا ‏(‏حَتَّى يُسَمَّى‏)‏ وَيُنْسَبَ، وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ حَتَّى ‏(‏تَشْهَدَ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏عَلَى عَيْنِهِ‏)‏ لِيَزُولَ اللَّبْسُ، ‏(‏وَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ‏)‏ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ‏(‏وَأَحْضَرَ الْخَصْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ فَقَالَ‏:‏ مَا أَنَا بِالْمَذْكُورِ‏)‏ فِي الْكِتَابِ ‏(‏قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ‏(‏فَإِنْ نَكِلَ‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ ‏(‏قُضِيَ عَلَيْهِ‏)‏ بِنُكُولِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ ثَبَتَ‏)‏ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ ‏(‏بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ‏)‏ مِنْهُ ذَلِكَ ‏(‏إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ بِالْبَلَدِ‏)‏ شَخْصًا ‏(‏آخَرَ كَذَلِكَ‏)‏ أَيْ يُسَاوِيه فِي اسْمِهِ وَنَسَبِهِ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ ‏(‏مَيِّتًا يَقَعُ بِهِ إشْكَالٌ فَيَتَوَقَّفُ‏)‏ الْحُكْمُ ‏(‏حَتَّى يُعْلَمَ الْخَصْمُ‏)‏ مِنْهُمَا، فَيُحْضِرُ الْقَاضِي الْمُسَاوِيَ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَيَسْأَلُهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ أَلْزَمَهُ وَتَخَلَّصَ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَّفَ الْحُكْمَ وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ بِمَا حَصَلَ مِنْ اللَّبْسِ حَتَّى يُرْسِلَ الشَّاهِدَيْنِ فَيَشْهَدَا عِنْدَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، فَيَلْزَمُهُ الْحَقُّ وَإِنْ كَانَ الْمَيْتُ لَا يَقَعُ بِهِ الْتِبَاسٌ فَلَا أَثَرَ لَهُ‏.‏

‏(‏وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَضُرَّ‏)‏ أَيْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولَ كِتَابِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ ‏(‏كَ‏)‏ مَوْتِ ‏(‏بَيِّنَةِ أَصْلٍ‏)‏ فَيَحْكُمُ بِشُهُودِ الْفَرْعِ، ‏(‏وَإِنْ فَسَقَ‏)‏ الْقَاضِي الْكَاتِبُ ‏(‏فَ‏)‏ فِسْقُهُ ‏(‏بِقَدْحٍ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ‏)‏ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ أَصْلٌ وَبَقَاءُ عَدَالَةِ الْأَصْلِ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ بِشَاهِدَيْ الْفَرْعِ ‏(‏خَاصَّةً‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ مَا حَكَمَ بِهِ الْكَاتِبُ، وَكَتَبَ بِهِ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ فِيهِ فَلِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُنْقَضُ بِفِسْقِهِ، ‏(‏وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ‏)‏ الْكِتَابُ مِنْ الْحُكَّامِ ‏(‏الْعَمَلُ بِهِ‏)‏ أَيْ الْكِتَابِ، ‏(‏تَغَيَّرَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ‏)‏ الْكِتَابُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ‏(‏أَوْ لَا اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ضَاعَ‏)‏ الْكِتَابُ ‏(‏أَوْ انْمَحَى‏)‏ وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِهِمَا، وَقِيَاسُهُ لَوْ حَمَلَهُ الشَّاهِدَانِ إلَى غَيْرِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَشَهِدَا عِنْدَهُ عَمِلَ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ خَلِيفَةَ الْكَاتِبِ فَمَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ انْعَزَلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ كَوُكَلَائِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ شَهِدَا‏)‏ أَيْ حَامِلَا الْكِتَابِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ‏(‏بِخِلَافِ مَا فِيهِ‏)‏ أَيْ الْكِتَابِ ‏(‏قُبِلَ‏)‏ مَا شَهِدَا بِهِ ‏(‏اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ‏)‏ بِمَا أَشْهَدَهُمَا بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى نَفْسِهِ، ‏(‏وَمَتَى قَدِمَ الْخَصْمُ الْمُثْبَتُ عَلَيْهِ‏)‏ الْحَقُّ عِنْدَ الْكَاتِبِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ‏(‏بَلَدَ الْكَاتِبِ فَلَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْخَصْمِ بِالْحَقِّ ‏(‏بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ‏)‏ عَلَيْهِ، إذَا سَأَلَهُ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ لِسَبْقِ الشَّهَادَةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏قضاء المكتوب إليه بما ثبت عليه عند الكاتب‏]‏

وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَاتِبِ مِنْ الْحَقِّ ‏(‏فَسَأَلَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ ‏(‏أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا جَرَى‏)‏ عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِهِ عَلَيْهِ ‏(‏لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏الْكَاتِبُ‏)‏ ثَانِيًا، أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِضَرُورَةٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَمَا لَقِيَهُ الْخَصْمُ فِي بَلَدِ الْكَاتِبِ فَطَالَبَهُ بِالْحَقِّ مَرَّةً أُخْرَى، ‏(‏أَوْ‏)‏ سَأَلَهُ ‏(‏مَنْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ‏)‏ عِنْدَ الْحَاكِمِ ‏(‏كَمَنْ أَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ‏)‏ الْحَاكِمُ ‏(‏أَوْ‏)‏ سَأَلَ ‏(‏مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمِ ‏(‏أَنْ يَشْهَدَ لَهُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏بِمَا جَرَى مِنْ بَرَاءَةٍ أَوْ ثُبُوتٍ مُجَرَّدٍ أَوْ‏)‏ ثُبُوتٍ ‏(‏مُتَصَلٍّ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ مُتَّصِلٍ بِحُكْمٍ وَتَنْفِيذٍ، أَوْ‏)‏ سَأَلَ ‏(‏الْحُكْمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَجَابَهُ‏)‏ سَوَاءٌ ثَبَتَ حَقُّهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ طُولِ الزَّمَنِ عَلَى الْحَقِّ فَإِذَا أَرَادَ رَبُّهُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ حُجَّةٌ، وَرُبَمَا نَسِيَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ أَوْ يُطَالِبُهُ الْغَرِيمُ فِي صُورَةِ الْبَرَاءَةِ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَهُ إذَا نَسِيَ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ سَأَلَهُ‏)‏ أَيْ سَأَلَ الْخَصْمُ الْحَاكِمَ ‏(‏مَعَ الْإِشْهَادِ‏)‏ بِمَا جَرَى مِمَّا تَقَدَّمَ ‏(‏كِتَابَةً، وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ‏)‏ وَلَوْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَرَقٌ مُعَدٌّ لِذَلِكَ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ إجَابَتُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ ‏(‏كَ‏)‏ كِتَابَةِ ‏(‏سَاعٍ بِأَخْذِ زَكَاةٍ‏)‏ لِئَلَّا يَطْلُبَهُ بِهَا سَاعٍ آخَرُ، وَكَذَا مُعَشِّرُ أَمْوَالِ تُجَّارِ حَرْبٍ وَذِمَّةٍ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ دَفْعُ وَثِيقَةٍ بِهِ إذَا اسْتَوْفَاهُ، بَلْ الْإِشْهَادُ بِاسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَمَا خَرَجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحَقًّا فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ بِحَقِّهِ وَكَذَا بَائِعُ عَقَارٍ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ كِتَابِ ابْتِيَاعِهِ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَهُ عِنْدَ الدَّرَكِ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ‏.‏

‏(‏وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى سِجِلًّا‏)‏ وَالسِّجِلُّ لُغَةً‏:‏ الْكِتَابُ وَالْآنَ الدَّفْتَرُ تَنْزِلُ فِيهِ الْوَقَائِعُ وَالْوَثَائِقُ ‏(‏وَغَيْرُهُ‏)‏ أَيْ غَيْرُ مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى ‏(‏مَحْضَرًا‏)‏ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ، وَالْمَحْضَرُ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِهِ، ‏(‏وَالْأَوْلَى جَعْلُ السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ نُسْخَةٍ يَدْفَعُهَا‏)‏ الْحَاكِمُ ‏(‏إلَيْهِ‏)‏ أَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ تَكُونُ وَثِيقَةً بِيَدِهِ، ‏(‏وَ‏)‏ النُّسْخَةِ ‏(‏الْأُخْرَى‏)‏ تُجْعَلُ ‏(‏عِنْدَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمِ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا عِنْدَ ضَيَاعِ مَا بِيَدِ الْخَصْمِ أَوْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ ‏(‏وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ الْقَاضِيَ‏)‏ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ اهْتِمَامًا وَتَعْظِيمًا ‏(‏فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ‏)‏ وَيَذْكُرُ مَا يُمَيِّزُهُ ‏(‏قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامُ عَلَى‏)‏ مَدِينَةَ‏.‏

‏(‏كَذَا وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏نَائِبًا كَتَبَ خَلِيفَةُ الْقَاضِي فُلَانِ‏)‏ بْنِ فُلَانٍ ‏(‏قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامُ‏)‏ عَلَى كَذَا ‏(‏فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ بِمَوْضِعِ‏.‏

كَذَا مُدَّعٍ‏)‏ هُوَ فَاعِلُ حَضَرَ، و‏(‏ذَكَرَ أَنَّهُ أَتَى فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ أَوْ أَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ‏)‏، وَمَنْ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ، وَذَكَرَ‏:‏ ‏(‏وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْجَدُّ بِلَا حَاجَةٍ‏)‏ إلَيْهِ بِأَنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، ‏(‏وَالْأَوْلَى ذِكْرُ حِلْيَتِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ جَهِلَهُمَا‏)‏ دَفْعًا لِلْإِنْكَارِ، وَمَعَ الْعِلْمِ لَا حَاجَةَ لِلتَّحْلِيَةِ ‏(‏فَادَّعَى‏)‏ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ‏(‏عَلَيْهِ كَذَا فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ فَأَنْكَرَ فَقَالَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏لِلْمُدَّعِي‏:‏ أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ‏:‏ نَعَمْ فَأَحْضَرَهَا وَسَأَلَهُ سَمَاعَهَا فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا بَيِّنَةَ‏)‏ لِلْمُدَّعِي‏.‏

‏(‏وَسَأَلَ‏)‏ مِنْ الْحَاكِمِ ‏(‏تَحْلِيفَهُ فَحَلَّفَهُ وَإِنْ نَكِلَ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ عَنْ الْجَوَابِ، ‏(‏ذَكَرَهُ وَأَنَّهُ حَكَمَ بِنُكُولِهِ وَسَأَلَهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمَ خَصْمُهُ ‏(‏كِتَابَةَ مَحْضَرٍ‏)‏ بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا ‏(‏فَأَجَابَهُ‏)‏ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَجَرَى ذَلِكَ ‏(‏فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَيُعْلِمُ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْإِحْلَافِ‏)‏ عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ ‏(‏جَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَفِي‏)‏ شَهَادَةِ ‏(‏الْبَيِّنَةِ شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مُقَدِّمَاتِهَا‏)‏ مِنْ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يُقَالُ عَادَةُ‏:‏ بَلَدِهِ أَوْلَى لِسُهُولَةِ فَهْمِ مَعْنَاهَا، ‏(‏وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِ‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏لَمْ يُحْتَجْ‏)‏ أَنْ يُقَالَ ‏(‏فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ‏)‏ لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ بِكُلِّ مَوْضِعٍ، وَإِنْ كَتَبَ وَأَنَّهُ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدَانِ كَانَ آكَدَ، ‏(‏وَأَمَّا السِّجِلُّ فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمِ بِهِ‏.‏

وَصِفَتُهُ‏)‏ أَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏(‏هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ‏)‏ ابْنُ فُلَانٍ ‏(‏كَمَا تَقَدَّمَ‏)‏ أَوَّلَ‏.‏

الْمَحْضَرِ ‏(‏مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ، وَيَذْكُرُهُمَا إنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ وَإِلَّا‏)‏ يَكُونَا مَعْرُوفَيْنِ قَالَ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ‏:‏ جَازَ حُضُورُهُمَا وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعْرِفَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِقْرَارَهُ طَوْعًا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَجَوَازًا مَرَّةً بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ، ‏(‏فِي كِتَابٍ نَسَخْتُهُ كَذَا أَوْ يَنْسَخُ الْكِتَابَ الْمُثْبِتَ أَوْ الْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فَرَغَ‏)‏ مِنْ نَسْخِهِ ‏(‏قَالَ‏:‏ وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَ‏)‏ سَأَلَ ‏(‏الْإِشْهَادَ بِهِ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي وَيَنْسُبُهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ خَصْمُهُ‏)‏ الْحَاضِرُ مَعَهُ ‏(‏بِحُجَّةٍ، وَجَعَلَ‏)‏ الْقَاضِي ‏(‏كُلَّ ذِي حُجَّةٍ‏)‏ فِي ذَلِكَ ‏(‏عَلَى حُجَّتِهِ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَرَّخِ أَعْلَاهُ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ نُسْخَةٍ تَكُونُ بِدِيوَانِ الْحُكْمِ وَنُسْخَةٍ يَأْخُذُهَا مَنْ كَتَبَهَا لَهُ لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ وَثِيقَةً بِمَا أَنْفَذَهُ، أَوْ يَكْتُبُ ذَلِكَ‏)‏ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا نُسْخَةٌ أُخْرَى‏.‏

وَهَذَا كُلُّهُ اصْطِلَاحُ نَسْخٍ ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ‏)‏ فِي السِّجِلِّ ‏(‏بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ جَازَ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏لِجَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ‏)‏ بِشَرْطِهِ، وَوَصْفِهِ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ذَكَرَهَا فِي شَرْحِهِ عَنْ الشَّارِحِ، ‏(‏وَيَضُمُّ‏)‏ الْقَاضِي وَالشَّاهِدُ ‏(‏مَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ مَحْضَرٍ وَسِجِلٍّ وَيَكْتُبُ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الْمُجْتَمَعِ ‏(‏مَحَاضِرُ كَذَا مِنْ وَقْتِ كَذَا‏)‏ لِسُهُولَةِ الْكَشْفِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ‏.‏

بَابُ‏:‏ الْقِسْمَةِ

بِكَسْرِ الْقَافِ‏:‏ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَسَمْتُ الشَّيْءَ جَعَلْتَهُ أَقْسَامًا وَالْقِسْمُ‏:‏ بِكَسْرِ الْقَافِ النَّصِيبُ الْمَقْسُومُ وَبِفَتْحِهَا مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ وَقَاسَمَهُ الْمَالَ وَتَقَاسَمَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ، وَعُرْفًا ‏(‏تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ عَنْ بَعْضٍ وَإِفْرَازُهَا عَنْهَا‏)‏ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ‏}‏ وَحَدِيثِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ‏}‏ ‏"‏ وَقَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَذُكِرَتْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يَقَعُ بِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ وَيُقَاسِمُ بِنَصِيبِهِ، ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْقِسْمَةُ ‏(‏نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ تَرَاضٍ‏)‏ بِأَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهَا جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ ‏(‏وَتَحْرُمُ‏)‏ الْقِسْمَةُ ‏(‏فِي مُشْتَرَكٍ لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِضَرَرٍ‏)‏ عَلَى الشُّرَكَاءِ أَوْ أَحَدِهِمْ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ‏}‏‏.‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، قَالَ الثَّوْرِيُّ‏:‏ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طُرُقٌ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا ‏(‏أَوْ بِرَدِّ عِوَضٍ‏)‏ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ الرِّضَا ‏(‏كَحَمَّامٍ وَدُورٍ صِغَارٍ‏)‏ بِحَيْثُ يَتَعَطَّلُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، إذَا قُسِّمَتْ أَوْ يَقِلُّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَ ‏(‏شَجَرٍ مُفْرَدٍ وَأَرْضٍ بِبَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ وَنَحْوُهُ‏)‏ كَمَعْدِنٍ، ‏(‏وَلَا تَتَعَدَّلُ بِأَجْزَاءٍ‏)‏ أَيْ بِجَعْلِهَا أَجْزَاءً ‏(‏وَلَا بِقِيمَةٍ إلَّا بِرِضَا الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ‏)‏؛ لِأَنَّ فِيهَا إمَّا ضَرَرٌ أَوْ رَدُّ عِوَضٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ، ‏(‏وَحُكْمُ هَذِهِ‏)‏ الْقِسْمَةِ ‏(‏كَبَيْعٍ يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْبَيْعِ خَاصَّةً ‏(‏لِمَالِك‏)‏ النَّصِيبِ، إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ‏(‏وَوَلِيِّهِ‏)‏، إنْ كَانَ كَذَلِكَ ‏(‏خَاصَّةً‏)‏ لِمَا فِيهَا مِنْ الرَّدِّ، وَبِهِ تَصِيرُ بَيْعًا لِبَذْلِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ‏.‏

لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ قَالَ الْمَجْدُ‏:‏ الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي فِيمَا فِيهِ رَدُّ عِوَضٍ أَنَّهُ بَيْعٌ فِيمَا يُقَابِلُ الرَّدَّ وَإِفْرَازٌ فِي الْبَاقِي‏.‏ اهـ‏.‏

فَلَا يَفْعَلَهَا الْوَلِيُّ إلَّا إنْ رَآهَا مَصْلَحَةً وَإِلَّا فَلَا كَبَيْعِ عَقَارِ مُوَلِّيهِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِنَاءٌ أَعْلَى وَبِنَاءٌ أَدْنَى فَ ‏(‏قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا آخُذُ الْأَدْنَى‏)‏ أَيْ الْأَسْفَلَ ‏(‏وَيَبْقَى لِي فِي الْأَعْلَى تَتِمَّةُ حِصَّتِي، فَلَا إجْبَارَ‏)‏ لِشَرِيكِهِ عَلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ شَرِيكِهِ مِنْ الْأَدْنَى بِغَيْرِ رِضَاهُ‏.‏

‏(‏وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ إلَى بَيْعٍ فِيهَا‏)‏ أَيْ قِسْمَةِ التَّرَاضِي ‏(‏أُجْبِرَ‏)‏ شَرِيكُهُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ أَيْ امْتَنَعَ شَرِيكُهُ مِنْ بَيْعٍ مَعَهُ ‏(‏بِيعَ‏)‏ أَيْ بَاعَهُ حَاكِمٌ ‏(‏عَلَيْهِمَا، وَقُسِمَ الثَّمَنُ‏)‏ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا نَصًّا، ‏(‏وَكَذَا لَوْ طَلَبَ‏)‏ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏الْإِجَارَةَ‏)‏ أَيْ أَنْ يُؤَجِّرَ شَرِيكُهُ مَعَهُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي، فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ شَرِيكًا ‏(‏فِي وَقْفٍ‏)‏، فَإِنْ أَبَى أَجَّرَهُ حَاكِمٌ عَلَيْهِمَا، وَقَسَّمَ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا‏.‏

‏(‏وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِهَا‏)‏ أَيْ الْقِسْمَةِ سَوَاءً انْتَفَعُوا بِهِ مَقْسُومًا أَوْ لَا، إذْ نَقْصُ قِيمَتِهِ ضَرَرٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا، ‏(‏وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏بِالضَّرَرِ كَرَبِّ ثُلُثٍ مَعَ رَبِّ ثُلُثَيْنِ‏)‏ وَتَضَرَّرَ بِهَا رَبُّ الثُّلُثِ وَحْدَهُ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، ‏(‏فَ‏)‏ لَا إجْبَارَ ‏(‏كَمَا لَوْ تَضَرَّرُوا‏)‏ وَلَوْ طَلَبَهَا الْمُتَضَرِّرُ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ؛ وَلِأَنَّ طَلَبَهَا مِنْ الْمُتَضَرِّرِ سَفَهٌ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَمَا تَلَاصَقَ مِنْ دُورٍ‏)‏ مُشْتَرَكَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏عَضَائِدَ‏)‏ جَمْعُ عِضَادَةٍ مَا يُصْنَعُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهِ مِنْ السَّوَّاقِي ذَوَاتِ الْكَتِفَيْنِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَفِي الْإِقْنَاعِ هِيَ كَالدَّكَاكِينِ اللِّطَافِ الضَّيِّقَةِ ‏(‏وَأَفْرِحَةٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ كَمُتَفَرِّقٍ فَيُعْتَبَرُ الضَّرَرُ‏)‏ وَعَدَمُهُ ‏(‏فِي كُلِّ عَيْنٍ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏عَلَى انْفِرَادِهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا يَخْتَصُّ بِاسْمٍ وَصُورَةٍ، وَلَوْ بِيعَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِمَالِكِ الْأُخْرَى‏.‏

‏(‏وَمِنْ بَيْنِهِمَا عَبِيدٌ أَوْ بَهَائِمُ أَوْ ثِيَابٌ وَنَحْوِهَا‏)‏ كَأَوَانٍ ‏(‏مِنْ جِنْسٍ‏)‏ أَيْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَأَنْ تَكُونَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ نَوْبَةً أَوْ حَبَشًا وَنَحْوَهُ، وَالْبَهَائِمُ كُلُّهَا إبِلًا أَوْ بَقَرًا وَنَحْوَهُ، وَالثِّيَابُ كُلُّهَا مِنْ كَتَّانٍ وَنَحْوِهِ، وَالْأَوَانِي كُلُّهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ زُجَاجٍ وَنَحْوِهِ، ‏(‏فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا قَسْمَهَا أَعْيَانَا بِأَنْ يَقُولَ بِالْقِيمَةٍ، وَيَأْبَى شَرِيكُهُ ‏(‏أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ إنْ تَسَاوَتْ الْقِيَمُ‏)‏ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً‏}‏‏.‏

وَهَذِهِ قِسْمَةٌ لَهُمْ؛ وَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا بِلَا ضَرَرٍ وَلَا رَدِّ عِوَضٍ أَشْبَهَتْ الْأَرْضَ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيَمِ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ ‏(‏كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ‏)‏ بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الثِّيَابِ قُطْنًا وَبَعْضُهَا كَتَّانًا وَنَحْوَهُ‏.‏

‏(‏وَآجُرٌّ‏)‏ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ اللَّبِنُ الْمَشْوِيُّ ‏(‏وَلَبِنٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ غَيْرُ الْمَشْوِيِّ، وَالْحَالُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ‏(‏مُتَسَاوِي الْقَوَالِبِ‏)‏ كِبَرًا وَصِغَرًا ‏(‏مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ‏)‏ خَبَرٌ لِلتَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ، ‏(‏وَ‏)‏ آجُرٌّ وَلَبِنٌ ‏(‏مُتَفَاوِتُهَا‏)‏ أَيْ الْقَوَالِبِ ‏(‏مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ‏)‏ بِالْقِيمَةِ‏.‏

‏(‏وَمِنْ بَيْنِهِمَا حَائِطٌ أَوْ‏)‏ بَيْنَهُمَا ‏(‏عَرْصَةُ حَائِطٍ وَهِيَ الَّتِي‏)‏ كَانَ بِهَا حَائِطٌ وَصَارَتْ، ‏(‏لَا بِنَاءَ فِيهَا وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏قِسْمَةً‏)‏ أَيْ قَسْمَ الْحَائِطِ أَوْ عَرْصَتِهِ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ طَلَبَ الْقَسْمَ ‏(‏طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ‏)‏ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْحَائِطِ قِطْعَةٌ مِنْ أَسْفَلِهَا إلَى أَعْلَاهَا فِي كَمَالِ عَرْضِ الْحَائِطِ، وَأَبَى شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ لَمْ يُجْبَرْ، ‏(‏أَوْ‏)‏ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ ‏(‏الْعَرْصَةِ عَرْضًا وَلَوْ وَسِعَتْ حَائِطَيْنِ‏)‏ وَأَبَى شَرِيكُهُ ‏(‏لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مَبْنِيًّا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ عَرْضًا فِي كَمَالِ طُولِهِ بِدُونِ نَقْضِهِ لِيَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ‏.‏

وَلَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ وَلَا طُولًا فِي تَمَامِ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ الْحَائِطِ يُنْتَفَعُ بِهَا عَلَى حِدَتِهَا وَالنَّفْعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ، فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى تَرْكِ انْتِفَاعِهِ بِمَكَانِ مِنْهُ وَأَخْذِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَا دَارَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ، فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِجَمِيعِهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَبْنِيٍّ فَهُوَ يُرَادُ لِذَلِكَ كَالْمَبْنِيِّ ‏(‏كَمَنْ بَيْنَهُمَا دَارٌ لَهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ طَلَبَ أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏جَعْلَ السُّفْلِ لِوَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ جَعْلَ ‏(‏الْعُلُوِّ لِآخَرَ‏)‏ وَامْتَنَعَ شَرِيكُهُ فَلَا إجْبَارَ؛ لِاخْتِلَافِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ فِي الِانْتِفَاعِ وَالِاسْمِ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِ كَدَارَيْنِ مُتَلَاصِقَتَيْنِ مُشْتَرَكَتَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا جَعْلَ كُلِّ دَارٍ لِوَاحِدٍ، وَأَبَى الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ طَلَبَ نَقْلَ حَقِّهِ مِنْ عَيْنٍ إلَى أُخْرَى بِغَيْرِ رِضَا شَرِيكِهِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ طَلَبَ أَحَدُهُمَا ‏(‏قَسْمَ سُفْلٍ لَا‏)‏ قَسْمَ ‏(‏عُلُوٍّ أَوْ عَكْسِهِ‏)‏، بِأَنْ طَلَبَ قَسْمَ عُلُوٍّ لَا سُفْلٍ، ‏(‏أَوْ‏)‏ طَلَبَ قَسْمَ ‏(‏كُلِّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ ‏(‏عَلَى‏.‏

حِدَةٍ‏)‏ وَأَبَى الْآخَرُ فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ، ‏(‏وَإِنْ طَلَبَ‏)‏ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏قَسْمَهُمَا‏)‏ أَيْ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ ‏(‏مَعًا، وَلَا ضَرَرَ‏)‏ وَلَا رَدَّ عِوَضٍ ‏(‏وَجَبَ‏)‏ الْقَسْمُ وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ‏.‏

‏(‏وَعُدِّلَ‏)‏ الْقَسْمُ فِي ذَلِكَ ‏(‏بِالْقِيمَةِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ و‏(‏لَا‏)‏ يُجْعَلُ ‏(‏ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعَيْ عُلُوٍّ‏)‏ أَوْ عَكْسِهِ ‏(‏وَلَا ذِرَاعٌ‏)‏ مِنْ سُفْلٍ ‏(‏بِذِرَاعٍ‏)‏ مِنْ عُلُوٍّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا‏.‏

‏(‏وَلَا إجْبَارَ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ‏)‏ بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِمَكَانٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ، أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالزَّمَانِ بِأَخْذِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا تَسْوِيَةَ لِتَأَخُّرِ حَقِّ الْآخَرِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ اقْتَسَمَاهَا‏)‏ أَيْ الْمَنَافِعَ ‏(‏بِزَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ صَحَّ‏)‏ ذَلِكَ ‏(‏جَائِزًا‏)‏ غَيْرَ لَازِمٍ، سَوَاءٌ عَيَّنَا مُدَّةً أَوْ لَا كَالْعَارِيَّةِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ ‏(‏فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ‏)‏ أَيْ أُجْرَةَ مِثْلِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُدَّةَ انْتِفَاعِهِ‏.‏

‏(‏وَنَفَقَةُ الْحَيَوَانِ‏)‏ إذَا تَهَايَأَهُ الشَّرِيكَانِ ‏(‏مُدَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ‏)‏ أَيْ فِي زَمَنِ نَوْبَتِهِ فِي الْمُهَايَأَةِ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ لِتَرَاضِيهِمَا بِالْمُهَايَأَةِ، وَكَسْبُ الْعَبْدِ فِي مُدَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ غَيْرَ النَّارِ فِي وَجْهٍ كَاللُّقَطَةِ وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ‏.‏

قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا دُونَ زَرْعٍ‏)‏ وَأَبَى الْآخَرُ أُجْبِرَ، و‏(‏قُسِمَتْ كَخَالِيَةٍ‏)‏ مِنْ الزَّرْعِ إذْ الزَّرْعُ فِيهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا أَوْ قَصْلًا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبِّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ طَلَبَ قَسْمَ الْأَرْضِ ‏(‏مَعَهُ‏)‏ أَيْ الزَّرْعِ ‏(‏أَوْ‏)‏ طَلَبَ قَسْمَ ‏(‏الزَّرْعِ دُونَهَا‏)‏ أَيْ الْأَرْضِ ‏(‏لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ‏)‏ أَمَّا فِي الْأُولَى؛ فَلِأَنَّ الزَّرْعَ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ عَنْهَا فَلَا يُقْسَمُ مَعَهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ تَعْدِيلَ الزَّرْعِ بِالسِّهَامِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ مِنْهُ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ، فَإِذَا أُرِيدَتْ قِسْمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ الْكَثِيرِ مِنْ الرَّدِيءِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَلِيلِ مِنْ الْجَيِّدِ‏.‏

فَصَاحِبُ الرَّدِيءِ يَنْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ لِوُجُوبِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى حَصَادِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَرَاضَيَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَانِ ‏(‏عَلَى أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ قَسْمِ الْأَرْضِ مَعَ الزَّرْعِ أَوْ الزَّرْعِ وَحْدَهُ ‏(‏وَالزَّرْعُ قَصِيلٌ‏)‏ لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ، جَازَ ‏(‏أَوْ‏)‏ الزَّرْعُ ‏(‏قُطْنٌ جَازَ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَلَا مَحْذُورَ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ إذَنْ‏.‏

وَالْمُرَادُ بِالْقُطْنِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَالٍ يَكُونُ فِيهَا مَوْزُونًا، وَإِلَّا فَكَالْحَبِّ الْمُشْتَدِّ، ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الزَّرْعُ ‏(‏بَذْرًا أَوْ سُنْبُلًا مُشْتَدَّ الْحَبِّ فَلَا‏)‏ يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ حَبٍّ يَجِبُ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي وَهُوَ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ، ‏(‏وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ نَهْرٌ وَقَنَاةٌ، أَوْ عَيْنُ مَاءٍ‏.‏

‏(‏فَالنَّفَقَةُ‏)‏ عَلَى ذَلِكَ ‏(‏لِحَاجَتِهِمَا‏)‏ إلَيْهَا ‏(‏بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا‏)‏ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، ‏(‏وَالْمَاءُ‏)‏ بَيْنَهُمَا ‏(‏عَلَى قَدْرِ مَا شَرَطَاهُ عِنْدَ الِاسْتِخْرَاجِ‏)‏ لِحَدِيثِ ‏"‏ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ‏}‏ وَلِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ مُبَاحٌ‏.‏

فَكَانَ عَلَى مَا شَرَطَا كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي اصْطِيَادٍ أَوْ احْتِشَاشٍ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ وَالنَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَصِحَّ شَرْطُ التَّفَاضُلِ فِي الْمَاءِ، وَتَقَدَّمَ ‏(‏وَلَهُمَا قِسْمَتُهُ‏)‏ أَيْ الْمَاءِ ‏(‏بِمُهَايَأَةٍ بِزَمَنٍ‏)‏ لِلتَّسَاوِي غَالِبًا عَادَةً، ‏(‏أَوْ‏)‏ قِسْمَتُهُ ‏(‏بِنَصْبِ خَشَبَةٍ أَوْ‏)‏ نَصْبِ ‏(‏حَجَرٍ مُسْتَوٍ فِي مُصْطَدَمِ الْمَاءِ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَنْصُوبِ ‏(‏ثُقْبَانِ بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَقَسْمِ الْأَرْضِ بِالتَّعْدِيلِ، ‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏سَقْيُ أَرْضٍ لَا شِرْبَ‏)‏ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ ‏(‏لَهَا مِنْهُ بِنَصِيبِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ فَيَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ‏.‏

فَصْلُ‏:‏ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ

‏(‏قِسْمَةُ إجْبَارٍ، وَهِيَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا‏)‏ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏وَلَا رَدَّ عِوَضٍ‏)‏ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهُمَا إذَا كَمُلَتْ شُرُوطُهُ ‏(‏يُجْبِرُ شَرِيكَهُ أَوْ وَلِيَّهُ‏)‏ إنْ كَانَ الشَّرِيكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهُ حَاكِمًا بِطَلَبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ أَوْ وَلِيِّهِ، ‏(‏وَيَقْسِمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكِ وَوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ‏.‏

فَجَازَ الْحُكْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ‏(‏بِطَلَبِ شَرِيكٍ لِلْغَائِبِ أَوْ وَلِيِّهِ‏)‏ إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ ‏(‏قَسْمَ مُشْتَرَكٍ‏)‏ مَفْعُولُ طَلَبَ ‏(‏مِنْ مَكِيلِ جِنْسٍ‏)‏ كَحُبُوبٍ وَمَائِعٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُكَالُ مِنْ الثِّمَارِ، وَكَذَا اثْنَانِ وَنَحْوُهُ ‏(‏أَوْ مَوْزُونَةٍ‏)‏ أَيْ الْجِنْسِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏مَسَّتْهُ النَّارُ كَدِبْسٍ وَخَلٍّ وَتَمْرٍ‏)‏ وَسُكَّرٍ ‏(‏أَوْ لَا كَدُهْنٍ‏)‏ مِنْ سَمْنٍ وَزَيْتٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏وَلَبَنٍ وَخَلِّ عِنَبٍ، وَمِنْ قَرْيَةٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ، وَدُكَّانٍ وَأَرْضٍ وَاسِعَتَيْنِ وَبَسَاتِينَ، وَلَوْ لَمْ تَتَسَاوَ أَجْزَاؤُهُمَا إذَا أَمْكَنَ قَسْمُهُمَا بِالتَّعْدِيلِ بِأَنْ يُجْعَلَ شَيْءٌ مَعَهُمَا‏)‏‏.‏

وَيُشْتَرَطُ لِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ‏:‏ ثُبُوتُ مِلْكِ الشُّرَكَاءِ وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَثُبُوتُ أَنْ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَثُبُوتُ إمْكَانَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْمَقْسُومِ بِلَا شَيْءٍ يُجْعَلُ مَعَهَا، وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِتَضَمُّنِهَا إزَالَةَ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَحُصُولَ النَّفْعِ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمْ إذَا تَمَيَّزَ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِحَسْبِ اخْتِيَارِهِ وَأَنْ يَغْرِسْ وَيَبْنِيَ وَيَجْعَلَ سَاقِيَةً وَمَا شَاءَ، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ الِاشْتِرَاكِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ إلَى قَسْمِ شَجَرَةٍ فَقَطْ‏)‏ أَيْ دُونَ أَرْضِهِ ‏(‏لَمْ يُجْبَرْ‏)‏ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ تَابِعٌ لِأَرْضِهِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ فِيهِ شُفْعَةٌ إذَا بِيعَ بِدُونِ أَرْضِهِ، ‏(‏وَإِنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ إلَى قَسْمِ أَرْضٍ أُجْبِرَ وَدَخَلَ الشَّجَرُ‏)‏ فِي الْقِسْمَةِ ‏(‏تَبَعًا‏)‏ لِلْأَرْضِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فِي بَعْضِهَا نَخْلٌ وَفِي بَعْضِهَا شَجَرٌ غَيْرُهُ‏)‏ أَيْ النَّخْلِ كَالْمِشْمِشِ وَالْجَوْزِ ‏(‏أَوْ‏)‏ بَعْضُهَا ‏(‏يُشْرَبُ سَيْحًا وَبَعْضُهَا‏)‏ يُشْرَبُ ‏(‏بَعْلًا‏)‏ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَتَهَا أَعْيَانَا بِالْقِيمَةِ، ‏(‏قُدِّمَ مَنْ طَلَبَ قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ إنْ أَمْكَنَتْ تَسْوِيَةٌ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْجَمِيعِ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُمْكِنَ التَّسْوِيَةُ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ ‏(‏قُسِمَتْ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ إنْ أَمْكَنَ التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ‏)‏، و‏(‏إلَّا‏)‏ يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ بِهَا ‏(‏فَأَبَى أَحَدُهُمَا‏)‏ الْقِسْمَةَ ‏(‏لَمْ يُجْبَرْ‏)‏ لِعَدَمِ إمْكَانَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا‏.‏

‏(‏وَهَذَا النَّوْعُ‏)‏ أَيْ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ ‏(‏إفْرَازُ‏)‏ حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ حَقِّ الْآخَرِ يُقَالُ‏:‏ فَرَزْتُ الشَّيْءَ وَأَفْرَزُوهُ إذَا عَزَلْتُهُ مِنْ الْفُرْزَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ، فَكَأَنَّ الْإِفْرَازَ اقْتِطَاعٌ لِحَقِّ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا لِمُخَالَفَتِهَا لَهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكِ وَلَوْ وَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَلِمَا لَزِمَتْ بِالْقُرْعَةِ ‏(‏فَيَصِحُّ قَسْمُ لَحْمِ هَدْيٍ وَ‏)‏ لَحْمُ ‏(‏أَضَاحِيٍّ‏)‏ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا، و‏(‏لَا‏)‏ يَصِحُّ قَسْمُ ‏(‏رَطْبٍ مِنْ شَيْءٍ‏)‏ رِبَوِيٍّ ‏(‏بِيَابِسِهِ‏)‏ كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَفِيزُ رُطَبٍ وَقَفِيزُ تَمْرٍ أَوْ رِطْلُ لَحْمٍ نِيءٍ وَرِطْلُ لَحْمٍ مَشْوِيٍّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أَوْ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْآخَرَ الرُّطَبَ أَوْ اللَّحْمَ النِّيءَ لِوُجُودِ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا تَقَعُ بَدَلًا عَنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الْآخَرِ فَيَفُوتُ التَّسَاوِي الْمُعْتَبَرُ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ قَسْمُ ‏(‏ثَمَرٍ يُخْرَصُ‏)‏ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَعِنَبٍ وَرُطَبٍ ‏(‏خَرْصًا وَ‏)‏ يَصِحُّ قَسْمُ ‏(‏مَا يُكَالُ‏)‏ مِنْ رِبَوِيٍّ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَزْنًا وَعَكْسَهُ‏)‏ أَيْ مَا يُوزَنُ كَيْلًا‏.‏

وَيَصِحُّ أَيْضًا قَسْمُ مَا يُشْتَرَطُ لِبَيْعِهِ قَبْضُهُ بِالْمَجْلِسِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ‏)‏ الْمَقْسُومُ مِنْ ذَلِكَ ‏(‏بِالْمَجْلِسِ‏.‏

وَ‏)‏‏.‏

يَصِحُّ قَسْمُ ‏(‏مَرْهُونٍ وَ‏)‏ قَسْمُ ‏(‏مَوْقُوفٍ وَلَوْ‏)‏ كَانَ مَوْقُوفًا ‏(‏عَلَى جِهَةٍ‏)‏ وَاحِدَةً فِي اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْفُرُوعِ‏.‏

قَالَ عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ‏:‏ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا تَجُوزُ قِسْمَتُهُ إذَا كَانَ عَلَى جِهَتَيْنِ، فَأَمَّا الْوَقْفُ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُقْسَمُ عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً اتِّفَاقًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، لَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ بِلَا مُنَاقَلَةٍ‏.‏

ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهٌ يَعْنِي كَغَيْرِهِ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَحْكِيَّةِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْ الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ أَيْ بَيْنَ كَوْنِ الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ أَوَجِهَتَيْنِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهُوَ أَظْهَرُ‏.‏

وَفِي الْمُبْهِجِ لُزُومُهَا إذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ انْتَهَى‏.‏

قُلْت‏:‏ بَلْ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَقْفِ إذَا كَانَ عَلَى جِهَةٍ أَوْ أَكْثَرَ ‏(‏بِلَا رَدِّ‏)‏ عِوَضٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَرُدُّهُ مَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ أَرْجَحَ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ، فَهُوَ اعْتِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ كَبَيْعِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يَصِحُّ قَسْمُ ‏(‏مَا‏)‏ أَيْ مَكَان ‏(‏بَعْضُهُ وَقْفٌ‏)‏ وَبَعْضُهُ طِلْقٌ ‏(‏بِلَا رَدٍّ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ‏)‏ بِكَسْرِ الطَّاءِ، وَهُوَ لُغَةً‏:‏ الْحَلَالُ وَسَمَّى الْمَمْلُوكَ طِلْقًا لِحِلِّ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ مِنْ بَيْعِ هِبَةٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ‏.‏

فَإِنَّ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَبْذُلُهُ لِأَخْذِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْوَقْفِ، وَبَيْعُهُ غَيْرُ جَائِزٍ ‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْقِسْمَةُ ‏(‏إنْ تَرَاضَيَا‏)‏ أَيْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَرَبُّ الطِّلْقِ ‏(‏يُرَدُّ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بَعْضَ الطِّلْقِ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ ‏(‏وَلَا يَحْنَثُ بِهَا‏)‏ أَيْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ‏(‏مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ‏)‏؛ لِأَنَّهَا إفْرَازٌ لَا بَيْعٌ‏.‏

‏(‏وَمَتَى ظَهَرَ فِيهَا‏)‏ أَيْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ ‏(‏غَبْنٌ فَاحِشٌ بَطَلَتْ‏)‏ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْإِفْرَازِ، ‏(‏وَلَا شُفْعَةَ فِي نَوْعَيْهَا‏)‏ أَيْ قِسْمَةِ التَّرَاضِي وَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَتْ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ فَيَتَنَافَيَانِ ‏(‏وَيَتَفَاسَخَانِ بِعَيْبٍ‏)‏ ظَهَرَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏أَنْ يَتَقَاسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَأَنْ يَنْصِبَا قَاسِمًا‏)‏ بِأَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ لَهُمَا ‏(‏أَنْ يَسْأَلَا حَاكِمًا نَصْبَهُ‏)‏ أَيْ لِقَاسِمٍ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِلْقِسْمَةِ وَإِذَا سَأَلُوهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إجَابَتُهُمْ لِقَطْعِ النِّزَاعِ‏.‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ‏)‏ أَيْ الْقَاسِمِ إذَا نَصَّبَهُ حَاكِمٌ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏عَدَالَتُهُ‏)‏ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْقِسْمَةِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ ‏(‏مَعْرِفَتُهُ بِهَا‏)‏ أَيْ بِالْقِسْمَةِ لِيَحْصُلَ مِنْهُ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَارِفِ لَا يُمْكِنُهُ تَعْدِيلُ السِّهَامِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ تَعْيِينُهُ لِلسِّهَامِ مَقْبُولًا كَحَاكِمٍ يَجْهَلُ مَا يَحْكُمُ بِهِ لَا حُرِّيَّتَهُ، فَتَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ ‏(‏وَيَكْفِي‏)‏ قَاسِمٌ ‏(‏وَاحِدٌ‏)‏ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْحَاكِمِ و‏(‏لَا‏)‏ يَكْفِي وَاحِدٌ ‏(‏مَعَ تَقْوِيمٍ‏)‏ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ فَاعْتُبِرَ النِّصَابُ كَبَاقِي الشَّهَادَاتِ‏.‏

‏(‏وَتُبَاحُ أُجْرَتُهُ‏)‏ أَيْ إعْطَاؤُهَا وَأَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ ‏(‏وَتُسَمَّى‏)‏ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ ‏(‏الْقُسَامَةُ بِضَمِّ الْقَافِ‏)‏ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيِّ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةُ قِيلَ‏:‏ وَمَا الْقُسَامَةُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ الشَّيْءُ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنْتَقَصُ مِنْهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد‏.‏

قَالَ الْخَطَّابِيِّ‏:‏ وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ وَكَانَ عَرِيفًا لَهُمْ أَوْ نَقِيبًا لَهُمْ، فَإِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ سِهَامَهُمْ أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ يَسْتَأْثِرُ بِهِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا نَحْوَهُ قَالَ فِيهِ‏:‏ الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الْفِئَامِ مِنْ النَّاسِ فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَمِنْ حَظِّ هَذَا، الْفِئَامِ الْجَمَاعَاتُ ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ‏:‏ أُجْرَةُ الْقَسْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ ‏(‏بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ‏)‏ نَصًّا ‏(‏وَلَوْ شُرِطَ خِلَافُهُ‏)‏ فَالشَّرْطُ لَاغٍ‏.‏

‏(‏وَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُ‏)‏ الشُّرَكَاءِ ‏(‏بِاسْتِئْجَارِ‏)‏ قَاسِمٍ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ ‏(‏وَكَقَاسِمٍ‏)‏ فِي أَخْذِ أُجْرَةٍ وَكَوْنُهَا عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ ‏(‏حَافِظٍ وَنَحْوُهُ‏)‏ فَتَكُونُ أُجْرَةَ شَاهِدٍ يَخْرُجُ لِقَسْمِ الْبِلَادِ وَأُجْرَةَ وَكِيلٍ وَأَمِينٍ لِلْحِفْظِ عَلَى مَالِكٍ وَفَلَّاحٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ‏:‏ فَإِذَا مَا نُهِمَ الْفَلَّاحُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ أَوْ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُضِيفُ حَلَّ لَهُمْ ‏(‏وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ‏)‏ بِبَيِّنَةٍ ‏(‏عِنْدَ حَاكِمٍ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ مَا تُرَادُ قِسْمَتُهُ ‏(‏لَهُمْ‏)‏ أَيْ لِمُرِيدِي قِسْمَتِهِ، ‏(‏قَسَمَهُ‏)‏ بِتَرَاضِيهِمْ لِإِقْرَارِهِمْ وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ ظَاهِرًا وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ لَا عَلَى غَيْرِهِمْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْقَاضِي ‏(‏فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهَا‏)‏ أَيْ الْقِسْمَةَ ‏(‏بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ مِلْكَهُ‏)‏ أَيْ‏.‏

الْمَقْسُومِ لِئَلَّا يُوهَمَ مِنْ بَعْدِهِ صُدُورُ الْقِسْمَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ، فَيُؤَدِّي إلَى ضَرَرِ مَنْ يَدَّعِي فِي الْعَيْنِ حَقًّا، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَلَا إجْبَارَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ الشُّرَكَاءِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِخَصْمِهِ بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَا‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ تعديل القسمة

وَتُعَدَّلُ سِهَامُ الْقِسْمَةِ أَيْ يُعَدِّلُهَا الْقَاسِمُ ‏(‏بِالْأَجْزَاءِ‏)‏ أَيْ أَجْزَاءِ الْمَقْسُومِ ‏(‏إنْ تَسَاوَتْ‏)‏ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ بَعْضُهَا أَجْوَدَ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا بِنَاءَ وَلَا شَجَرَ بِهَا سَوَاءٌ اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ أَوْ اخْتَلَفَتْ، ‏(‏وَ‏)‏ تُعَدَّلُ سِهَامٌ ‏(‏بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَلَفَتْ‏)‏ أَجْزَاءُ الْمَقْسُومِ قِيمَةً اسْتَوَتْ الْأَنْصِبَاءُ أَيْضًا أَوْ اخْتَلَفَتْ فَيُجْعَلُ السَّهْمُ مِنْ الرَّدِيءِ أَكْثَرُ مِنْ الْجَيِّدِ، بِحَيْثُ تَتَسَاوَى قِيمَتُهَا كَأَرْضٍ بَعْضُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ أَوْ بِبَعْضِهَا بِنَاءٌ أَوْ بِهَا شَجَرٌ مُخْتَلِفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ التَّعْدِيلُ بِالْأَجْزَاءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا التَّعْدِيلُ بِالْقِيمَةِ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ السِّهَامُ أَوْ اخْتَلَفَتْ، ‏(‏وَ‏)‏ تُعَدَّلُ سِهَامٌ ‏(‏بِالرَّدِّ إنْ اقْتَصَّتْهُ‏)‏ أَيْ الرَّدَّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلٌ بِالْأَجْزَاءِ وَلَا بِالْقِيمَةِ، فَتُعَدَّلُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يُجْعَلَ لِمَنْ يَأْخُذُ الرَّدِيءَ أَوْ الْقَلِيلَ دَرَاهِمَ عَلَى مَنْ يَأْخُذُ الْجَيِّدَ أَوْ الْأَكْثَرَ ‏(‏ثُمَّ يُقْرَعُ‏)‏ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ لِإِزَالَةِ الْإِبْهَامِ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمٌ صَارَ لَهُ ‏(‏وَكَيْفَ مَا أُقْرِعَ جَازَ‏)‏ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد‏:‏ إنْ شَاءَ رِقَاعًا وَإِنْ شَاءَ خَوَاتِيمَ يَطْرَحُ ذَلِكَ فِي حِجْرِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ أَوْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَاتَمٌ مُعَيَّنٌ ثُمَّ يُقَالُ‏:‏ أَخْرِجْ خَاتَمًا عَلَى هَذَا السَّهْمِ، فَمَنْ خَرَجَ خَاتَمُهُ فَهُوَ لَهُ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أُقْرِعَ بِالْحَصَا وَغَيْرِهِ جَازَ‏.‏

‏(‏وَالْأَحْوَطُ كِتَابَةُ اسْمِ كُلِّ شَرِيكٍ بِرُقْعَةٍ ثُمَّ تُدْرَجُ‏)‏ الرِّقَاعُ ‏(‏فِي بَنَادِقَ مِنْ طِينٍ أَوْ شَمْعٍ مُتَسَاوِيَةً قَدْرًا‏)‏ أَيْ حَجْمًا ‏(‏وَوَزْنًا وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ عَمَلَ الْبَنَادِقِ بَعْدَ طَرْحِهَا فِي حِجْرِهِ أَوْ نَحْوِهِ ‏(‏أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا السَّهْمِ فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ فَهُوَ‏)‏ أَيْ السَّهْمُ الَّذِي خَرَجَ اسْمُهُ عَلَيْهِ ‏(‏لَهُ‏)‏، لِتَمَيُّزِ سَهْمِهِ بِخُرُوجِ اسْمِهِ عَلَيْهِ، ‏(‏ثُمَّ كَذَلِكَ‏)‏ الشَّرِيكُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ يُفْعَلُ بِهِ كَمَا يُفْعَلُ بِالْأَوَّلِ، ‏(‏وَ‏)‏ السَّهْمُ ‏(‏الْبَاقِي لِلثَّالِثِ إذَا اسْتَوَتْ سِهَامُهُمْ‏.‏

وَكَانُوا‏)‏ أَيْ الشُّرَكَاءُ ‏(‏ثَلَاثَةً‏)‏ لِتَعَيُّنِ السَّهْمِ الثَّالِثِ لِلْمُتَأَخِّرِ خُرُوجُ اسْمِهِ؛ لِزَوَالِ الْإِبْهَامِ بِخُرُوجِ اسْمِ الْأَوَّلَيْنِ، ‏(‏وَإِنْ كَتَبَ كُلَّ سَهْمٍ بِرُقْعَةٍ‏)‏ فَيَكْتُبُ فِي رُقْعَةِ السَّهْمِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ كَذَا وَفِي أُخْرَى السَّهْمُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ كَذَا إلَى آخِرِ السِّهَامِ وَدَرَجَهَا فِي بَنَادِقَ كَمَا تَقَدَّمَ، ‏(‏ثُمَّ يُقَالُ‏)‏ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ عَلَى الْبَنَادِقِ ‏(‏أَخْرِجْ بُنْدُقَةً لِفُلَانٍ وَبُنْدُقَةً لِفُلَانٍ‏)‏، وَهَكَذَا ‏(‏إلَى أَنْ يَنْتَهُوا جَازَ‏)‏ ذَلِكَ، فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْ السَّهْمِ الَّذِي فِي بُنْدُقَتِهِ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا بُنْدُقَةٌ فَالسَّهْمُ الَّذِي فِيهَا لِمَنْ يَتَأَخَّرُ اسْمُهُ مِنْ الشُّرَكَاءِ، ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَتْ سِهَامُهُمْ كَنِصْفٍ‏)‏ لِوَاحِدٍ ‏(‏وَثُلُثٍ‏)‏ لِآخَرَ ‏(‏وَسُدُسٍ‏)‏ لِآخَرَ ‏(‏جُزِّئَ مَقْسُومٌ بِحَسَبِ أَقَلِّهَا‏)‏ أَيْ السِّهَامِ ‏(‏وَهُوَ هُنَا‏)‏ أَيْ فِي الْمِثَالِ ‏(‏سِتَّةٌ‏)‏؛ لِأَنَّهَا مَخْرَجُ السُّدُسِ ‏(‏وَلَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ‏)‏ أَيْ أَسْمَاءِ الشُّرَكَاءِ ‏(‏عَلَى السِّهَامِ‏)‏ لِمَا يَأْتِي ‏(‏فَيَكْتُبُ بِاسْمِ رَبِّ النِّصْفِ ثَلَاثَ رِقَاعٍ، وَ‏)‏ بِاسْمِ رَبِّ ‏(‏الثُّلُثِ‏)‏ ثِنْتَيْنِ، ‏(‏وَ‏)‏ بِاسْمِ رَبِّ ‏(‏السُّدُسِ رُقْعَةً بِحَسْبِ التَّجْزِئَةِ ثُمَّ يُخْرِجُ بُنْدُقَةً عَلَى أَوَّلِ سَهْمٍ، فَإِنَّ خَرَجَ سَهْمُ رَبِّ النِّصْفِ أَخَذَهُ مَعَ ثَانٍ وَثَالِثٍ‏)‏ يَلِيَانِهِ ‏(‏وَ‏)‏ يُخْرِجُ الرُّقْعَةَ ‏(‏الثَّانِيَةَ عَلَى‏)‏ السَّهْمِ ‏(‏الرَّابِعِ فَإِنْ خَرَجَ اسْمُ رَبِّ الثُّلُثِ أَخَذَهُ مَعَ‏)‏ سَهْمٍ ‏(‏ثَانٍ‏)‏ يَلِيهِ، وَالْبَاقِي لِرَبِّ السُّدُسِ وَإِنْ خَرَجَتْ الرُّقْعَةُ ابْتِدَاءً لِرَبِّ السُّدُسِ أَخَذَ السَّهْمَ وَحْدَهُ وَإِنْ خَرَجَتْ لِرَبِّ الثُّلُثِ أَخَذَهُ مَعَ مَا يَلِيهِ ‏(‏ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرِينَ كَذَلِكَ وَالْبَاقِي لِلثَّالِثِ‏)‏، وَإِنَّمَا لَزِمَ إخْرَاجُ الْأَسْمَاءِ عَلَى السِّهَامِ؛ لِأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ‏.‏

رُقْعَةٌ فِيهَا اسْمُ الثَّانِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَأُخْرَى لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ فِيهَا السَّهْمُ الْأَوَّلُ احْتَاجَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مُتَفَرِّقًا فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، ثُمَّ الْقِسْمَةُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ تَتَسَاوَى السِّهَامُ وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ أَنْ تَخْتَلِفَ السِّهَامُ وَقِيمَةُ الْأَجْزَاءِ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ تَقَدَّمَا فِي الْمَتْنِ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ أَنْ تَتَسَاوَى السِّهَامُ وَتَخْتَلِفَ قِيمَةُ الْأَجْزَاءِ فَتُعَدَّلَ الْأَرْضُ بِالْقِيمَةِ وَتُجْعَلَ أَسْهُمًا مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ وَيُفْعَلُ فِي إخْرَاجِ السِّهَامِ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ‏.‏

الرَّابِعُ‏:‏ أَنْ تَخْتَلِفَ الْقِيمَةُ وَالسِّهَامُ فَتُعَدَّلَ السِّهَامُ بِالْقِيمَةِ وَتُجْعَلَ السِّهَامُ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ وَتُخْرَجَ الْأَسْمَاءُ عَلَى السِّهَامِ كَالْقِسْمِ الثَّانِي، إلَّا أَنَّ التَّعْدِيلَ هُنَا بِالْقِيمَةِ وَكُلُّهُ يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏وَتَلْزَمُ الْقِسْمَةَ‏)‏ بِخُرُوجِ ‏(‏قُرْعَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الْقَاسِمَ كَحَاكِمٍ وَقُرْعَتَهُ حُكْمٌ نَصَّ عَلَيْهِ، ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَتْ الْقِسْمَةُ ‏(‏فِيمَا فِيهِ رَدُّ‏)‏ عِوَضٍ ‏(‏أَوْ ضَرَرٌ‏)‏ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهَا، وَخَرَجَتْ الْقُرْعَةُ إذْ الْقَاسِمُ يَجْتَهِدُ فِي تَعْدِيلِ السِّهَامِ كَاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَوَجَبَ أَنْ تَلْزَمَ قُرْعَتُهُ كَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ قِسْمَةَ التَّرَاضِي يَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ، فَلَعَلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَاسَمَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ، ‏(‏وَإِنْ خَيَّرَ أَحَدَهُمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏الْآخَرَ‏)‏ بِأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ اخْتَرْ أَيَّ الْقِسْمَيْنِ شِئْت بِلَا قُرْعَةٍ وَلَمْ يَكُنْ ثُمَّ قَاسِمٌ ‏(‏فَ‏)‏ الْقِسْمَةُ تَلْزَمُ ‏(‏بِرِضَاهُمَا وَتَفَرُّقِهِمَا‏)‏ بِأَبْدَانِهِمَا كَتَفَرُّقِ مُتَبَايِعَيْنِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ َمَنْ ادَّعَى مِنْ الشُّرَكَاءِ غَلَطًا أَوْ حَيْفًا فِيمَا تَقَاسَمَاهُ

وَمَنْ ادَّعَى مِنْ الشُّرَكَاءِ غَلَطًا أَوْ حَيْفًا ‏(‏فِيمَا تَقَاسَمَاهُ بِأَنْفُسِهِمَا وَأَشْهَدَا عَلَى رِضَاهُمَا بِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ‏)‏، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَحْلِفُ غَرِيمُهُ لِرِضَاهُ بِالْقِسْمَةِ عَلَى مَا وَقَعَ، فَيَلْزَمُ رِضَاهُ بِزِيَادَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، ‏(‏وَتُقْبَلُ‏)‏ دَعْوَاهُ غَلَطًا أَوْ حَيْفًا بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِهِ ‏(‏فِيمَا قَسَمَهُ قَاسِمٌ حَاكِمٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ وَسُكُوتُهُ اسْتَنَدَ إلَى ظَاهِرِ حَالِ الْقَاسِمِ، فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِغَلَطِهِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا غَلِطَ بِهِ كَمَنْ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ ظَانًّا أَنَّهُ قَدْرُ حَقِّهِ فَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَقْصَهُ، فَلَهُ الرُّجُوعُ بِنَقْصِهِ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَكُنْ بَيِّنَةٌ شَهِدَتْ بِالْغَلَطِ ‏(‏حَلَفَ مُنْكِرُ‏)‏ الْغَلَطَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْقِسْمَةِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ فِيهَا‏.‏

‏(‏وَكَذَا قَاسِمٌ نَصَّبَاهُ‏)‏ بِأَنْفُسِهِمَا فَقَسَمَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْغَلَطَ، فَيُقْبَلُ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا حَلَفَ مُنْكِرٌ ‏(‏وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهَا‏)‏ أَيْ الْقِسْمَةِ ‏(‏مُعَيَّنٌ مِنْ حِصَّتَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ تَبْطُلْ‏)‏ الْقِسْمَةُ ‏(‏فِيمَا بَقِيَ‏)‏، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَقْسُومُ عَيْنَيْنِ فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا ‏(‏إلَّا أَنَّ كَوْنَ ضَرَرِ‏)‏ الْمُعَيَّنِ ‏(‏الْمُسْتَحَقِّ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏أَكْثَرَ‏)‏ مِنْ ضَرَرِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ، ‏(‏كَسَدِّ طَرِيقِهِ أَوْ‏)‏ سَدِّ ‏(‏مَجْرَى مَائِهِ أَوْ‏)‏ سَدِّ ‏(‏ضَوْئِهِ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِمَّا فِيهِ الضَّرَرُ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ الْآخَرَ، ‏(‏فَتَبْطُلُ‏)‏ الْقِسْمَةُ لِفَوَاتِ التَّعْدِيلِ ‏(‏كَمَا لَوْ كَانَ‏)‏ الْمُسْتَحَقُّ ‏(‏فِي أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ النَّصِيبَيْنِ وَحْدَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏شَائِعًا وَلَوْ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ النَّصِيبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لَمْ يَرْضَ فَإِنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِالتَّرَاضِي فَثَمَّ شَرِيكٌ يَرْضَى، وَإِنْ كَانَتْ بِالْإِجْبَارِ فَالثَّالِثُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِالْقِسْمَةِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ‏)‏ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ‏(‏شَيْئًا‏)‏ مِنْ الْمَقْسُومِ ‏(‏أَنَّهُ مِنْ سَهْمِهِ‏)‏ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ ‏(‏تَحَالَفَا‏)‏ أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ ‏(‏وَنُقِضَتْ‏)‏ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكَيْهِمَا وَلَا سَبِيلَ لِدَفْعِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْهُمَا بِدُونِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ كَانَ‏)‏ مِنْ الْمُقْتَسِمَيْنِ ‏(‏بَنَى أَوْ غَرَسَ‏)‏ فِي نَصِيبِهِ ‏(‏فَخَرَجَ‏)‏ الْمَقْسُومُ ‏(‏مُسْتَحَقًّا فَقُلِعَ‏)‏ غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ ‏(‏رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ فَقَطْ‏)‏ نَحْوَ أَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دَارَانِ سَوِيَّةً فَتَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَارًا مِنْهُمَا، فَخَرَجَتْ إحْدَاهُمَا مُسْتَحَقَّةً فَقَلَعَ مُسْتَحَقُّهَا مَا غَرَسَهُ أَوْ بَنَاهُ فِيهَا الشَّرِيكُ فَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَحُكْمُهَا حُكْمُهُ، بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ، فَإِنَّهَا إفْرَازٌ فَإِذَا ظَهَرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مُسْتَحَقًّا وَقُلِعَ غَرْسُهُ أَوْ بِنَاؤُهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ بِبَيْعٍ وَإِنَّمَا أَفْرَزَ حَقَّهُ مِنْ حَقِّهِ‏.‏

‏(‏وَلِمَنْ خَرَجَ فِي نَصِيبِهِ‏)‏ مِنْ الشُّرَكَاءِ ‏(‏عَيْبٌ جَهِلَهُ‏)‏ وَقْتَ الْقِسْمَةِ ‏(‏إمْسَاكُ نَصِيبِهِ‏)‏ الْمَعِيبِ ‏(‏مَعَ أَخْذِ أَرْشِ‏)‏ الْعَيْبِ مِنْ شَرِيكِهِ ‏(‏كَفَسْخٍ‏)‏ أَيْ كَمَا لَهُ فَسْخُ الْقِسْمَةِ كَالْمُشْتَرِي لِوُجُودِ النَّقْصِ، ‏(‏وَلَا يَمْنَعُ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ نَقْلَ‏)‏ مِلْكِ ‏(‏تَرِكَتِهِ‏)‏ إلَى مِلْكِ وَرَثَتِهِ نَصًّا فِيمَنْ أَفْلَسَ ثُمَّ مَاتَ، ‏(‏بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهَا‏)‏ أَيْ التَّرِكَةِ ‏(‏مِنْ مُعَيَّنٍ مُوصًى بِهِ‏)‏ لِفُقَرَاءَ أَوْ نَحْوِ مَسْجِدٍ، فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمُوصَى بِهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي‏.‏

وَأَمَّا الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ كَفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ إلَّا بِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ الْقَبُولِ مِلْكُهُ لِلْوَرَثَةِ وَنَمَاؤُهُ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَصَايَا، وَحَيْثُ عُلِمَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ نَقْلَ التَّرِكَةِ ‏(‏فَظُهُورُهُ‏)‏ أَيْ الدَّيْنِ ‏(‏بَعْدَ قِسْمَةِ‏)‏ التَّرِكَةِ ‏(‏لَا يُبْطِلُهَا‏)‏ أَيْ الْقِسْمَةَ لِصُدُورِهَا مِنْ الْمَالِكِ‏.‏

‏(‏وَيَصِحُّ بَيْعُهَا‏)‏ أَيْ التَّرِكَةِ ‏(‏قَبْلَ قَضَائِهِ‏)‏ أَيْ الدَّيْنِ ‏(‏إنْ قَضَى‏)‏ الدَّيْنَ وَإِلَّا نُقِضَ الْبَيْعُ، وَكَذَا هِبَتُهَا وَنَحْوُهَا كَالْعَبْدِ الْجَانِي ‏(‏فَالنَّمَاءُ‏)‏ فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ بِغَلَّاتِهَا أَوْ أَثْمَارِ شَجَرٍ أَوْ نِتَاجِ مَاشِيَةٍ وَنَحْوِهِ ‏(‏لِوَارِثٍ‏)‏، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَمَاءِ مِلْكِهِ ‏(‏كَنَمَاءِ جَانٍ‏)‏ لَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِيهِ، ‏(‏وَيَصِحُّ عِتْقُهُ‏)‏ أَيْ الرَّقِيقِ مِنْ التَّرِكَةِ مَعَ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَلَا يُنْقَضُ الْعِتْقُ وَلَوْ أُعْسِرَ الْوَارِثُ أَوْ كَانَ مُعْسَرًا كَعِتْقِ الرَّاهِنِ وَالْجَانِي وَأَوْلَى‏.‏

‏(‏وَمَتَى اقْتَسَمَا‏)‏ أَيْ الشَّرِيكَانِ نَحْوَ دَارٍ ‏(‏فَحَصَلَتْ الطَّرِيقُ فِي حِصَّةِ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمَا بِأَنْ حَصَلَ لِأَحَدِهِمَا مَا يَلِي الْبَابَ وَلِلْآخَرِ النِّصْفُ الدَّاخِلُ، ‏(‏وَلَا مَنْفَذَ لِلْآخَرِ‏)‏ الَّذِي حَصَلَ لَهُ الدَّاخِلُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَلَا مِلْكَ لَهُ يُجَاوِرُهُ يَنْفُذُ إلَيْهِ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ الْقِسْمَةُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الدَّاخِلِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ، فَلَا تَكُونُ السِّهَامُ مُعَدَّلَةً لِوُجُوبِ التَّعْدِيلِ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ ‏(‏وَأَيْ‏)‏ الشُّرَكَاءِ ‏(‏وَقَعَتْ ظُلَّةُ دَارٍ فِي نَصِيبِهِ‏)‏ عِنْدَ الْقِسْمَةِ ‏(‏فَهِيَ لَهُ‏)‏ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لِوُقُوعِ الْقِسْمَةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ‏:‏ وَالظُّلَّةُ شَيْءٌ كَالصُّفَّةِ يُسْتَتَرُ بِهِ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ‏.‏

بَابُ‏:‏ الدَّعَاوَى وَالْبَيَانَاتِ

الدَّعَاوَى جَمْعُ دَعْوَى مِنْ الدَّعَاوَى فَهِيَ الطَّلَبُ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ‏}‏ أَيْ يَتَمَنُّونَ وَيَطْلُبُونَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ‏}‏؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدْعُونَ بِهَا عِنْدَ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُوَ قَوْلُهُمْ‏:‏ يَا لَفُلَانٍ‏.‏

وَ‏(‏الدَّعْوَى‏)‏ اصْطِلَاحًا‏:‏ ‏(‏إضَافَةُ الْإِنْسَانِ إلَى نَفْسِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ‏)‏ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا ‏(‏أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏ذِمَّتِهِ‏)‏ أَيْ الْغَيْرِ إنْ كَانَ دَيْنًا مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ وَنَحْوِهِ، ‏(‏وَالْمُدَّعِي مَنْ يَطْلُبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ‏)‏ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ ‏(‏يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ‏)‏ وَيُقَالُ‏:‏ أَيْضًا مَنْ إذَا تَرَكَ تَرَكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏الْمُطَالَبُ‏)‏ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ‏:‏ مَنْ يُطَالِبُهُ غَيْرُهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ‏.‏

وَيُقَالُ‏:‏ مَنْ إذَا تَرَكَ لَمْ يَتْرُكْ ‏(‏وَالْبَيِّنَةُ‏)‏ وَاحِدَةُ الْبَيِّنَاتِ مِنْ بَانَ الشَّيْءُ فَهُوَ بَيِّنٌ وَالْأُنْثَى بَيِّنَةٌ‏.‏

وَعُرْفًا‏:‏ ‏(‏الْعَلَامَةُ الْوَاضِحَةُ كَالشَّاهِدِ فَأَكْثَرُ‏)‏ وَأَصْلُ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى أُنَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ‏.‏

‏(‏وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مِنْ‏)‏ إنْسَانٍ ‏(‏جَائِزِ التَّصَرُّفِ‏)‏ أَيْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ‏.‏

‏(‏وَكَذَا إنْكَارٌ‏)‏ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ ‏(‏سِوَى إنْكَارِ سَفِيهٍ فِيمَا يُؤْخَذُ بِهِ‏)‏ لَوْ أَقَرَّ بِهِ ‏(‏إذَنْ‏)‏ أَيْ حَالَ سَفَهِهِ ‏(‏وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرٍ‏)‏ عَنْهُ، وَهُوَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ كَطَلَاقٍ وَحَدِّ قَذْفٍ فَيَصِحُّ مِنْهُ إنْكَارُهُ ‏(‏وَيَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ‏)‏ حَيْثُ تَجِبُ الْيَمِينُ‏.‏

وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الدَّعْوَى عَلَى نَحْوِ صَغِيرٍ وَيَأْتِي فِي الْأَقْدَارِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ الدَّعْوَى عَلَى الْقِنِّ‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ أحوال الدعوى بين المتنازعين على عَيْنٍ‏]‏

‏(‏وَإِذَا تَدَاعَيَا‏)‏ أَيْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ ‏(‏عَيْنًا‏)‏ أَنَّهَا لَهُ ‏(‏لَمْ تَخْلُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ‏:‏

أَحَدِهِمَا‏:‏ أَنْ لَا تَكُونَ‏)‏ الْعَيْنُ ‏(‏بِيَدِ أَحَدٍ وَلَا ثَمَّ‏)‏ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ ‏(‏ظَاهِرٌ‏)‏ يُعْمَلُ بِهِ ‏(‏وَلَا بَيِّنَةَ‏)‏ لِأَحَدِهِمَا، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهَا كُلَّهَا لَهُ ‏(‏تَحَالَفَا‏)‏ أَيْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ لِلْآخَرِ فِيهَا ‏(‏وَتَنَاصَفَاهَا‏)‏ أَيْ قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِهَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ مِنْ يَدٍ وَغَيْرِهَا، ‏(‏وَإِنْ وُجِدَ‏)‏ أَمْرٌ ‏(‏ظَاهِرٌ‏)‏ يُرَجِّحُ أَنَّهَا لِأَحَدِهِمَا ‏(‏عُمِلَ بِهِ‏)‏ أَيْ بِهَذَا الظَّاهِرِ فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُهَا، ‏(‏فَلَوْ تَنَازَعَا عَرْصَةً بِهَا شَجَرٌ‏)‏ لَهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ بِهَا ‏(‏بِنَاءٌ لَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ‏(‏فَهِيَ‏)‏ أَيْ الْعَرْصَةُ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ بِحَسْبِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَالْبِنَاءِ، أَوْ الشَّجَرُ اسْتِيفَاءٌ لِمَنْفَعَةِ الْعَرْصَةِ وَاسْتِيلَاءٌ عَلَيْهَا بِالتَّصَرُّفِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ كَانَ الشَّجَرُ أَوْ الْبِنَاءُ ‏(‏لِأَحَدِهِمَا فَ‏)‏ الْعَرْصَةُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ رَبِّ الشَّجَرِ أَوْ الْبِنَاءِ وَحْدَهُ لِمَا سَبَقَ ‏(‏وَإِنْ تَنَازَعَا مَسْنَاةً‏)‏ أَيْ سَدًّا يَرِدُ مَاءُ النَّهْرِ مِنْ جَانِبِهِ ‏(‏بَيْنَ نَهْرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ‏)‏ حَلَفَ كُلٌّ أَنَّ نِصْفَهَا لَهُ وَتَنَاصَفَاهَا؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا، يَنْتَفِعُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ‏.‏

‏(‏أَوْ‏)‏ تَنَازَعَا ‏(‏جِدَارًا بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا حَلَفَ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ وَيُقْرَعُ‏)‏ بَيْنَهُمَا ‏(‏إنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِي مِنْهُمَا بِالْيَمِينِ‏)‏ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ‏؟‏‏}‏ ‏"‏ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ‏:‏ هَذَا فِيمَنْ تَسَاوَوْا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ لِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِ مُدَّعِيهِ، وَيُرِيدُ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّهُ ‏(‏وَلَا يُقْدَحُ‏)‏ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ‏(‏إنْ حَلَفَ‏)‏ أَحَدُهُمَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا ‏(‏أَنَّ كُلَّهُ‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ‏(‏لَهُ وَتَنَاصَفَاهُ‏)‏ أَيْ الْجِدَارَ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا ‏(‏كَ‏)‏ حَائِطٍ ‏(‏مَعْقُودٍ بِبِنَائِهِمَا‏)‏ إذَا تَنَازَعَاهُ، فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيَتَنَاصَفَانِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُهُ عَلَى نِصْفِهِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْحَائِطُ ‏(‏مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ أَوْ مُتَّصِلًا بِهِ‏)‏ أَيْ بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا ‏(‏اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ عَادَةً أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ لِأَحَدِهِمَا ‏(‏عَلَيْهِ أَزَجٌ‏)‏‏.‏

قَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ‏:‏ هُوَ الْقَبْوُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ‏:‏ ضَرْبٌ مِنْ الْأَبْنِيَةِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ ‏(‏سُتْرَةٌ‏)‏ مَبْنِيَّةٌ أَوْ قُبَّةٌ ‏(‏فَ‏)‏ الْجِدَارُ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ لِمَنْ لَهُ ذَلِكَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ لَا يَقِينٌ إذْ يُحْتَمَلُ بِنَاءُ الْآخَرِ لَهُ الْحَائِطَ تَبَرُّعًا أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهُ إيَّاهُ وَنَحْوُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا عَقْدًا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ كَالْبِنَاءِ بِاللَّبِنِ، وَالْآجُرِّ لَمْ يُرَجَّحْ بِهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْحَائِطِ الْمَبْنِيِّ نِصْفَ لَبِنَةٍ أَوْ آجُرَّةٍ وَيُجْعَلَ مَكَانَهَا لَبِنَةً صَحِيحَةً، ‏(‏وَلَا تَرْجِيحَ‏)‏ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ ‏(‏بِوَضْعِ خَشَبَةٍ‏)‏ عَلَى الْجِدَارِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْمَحُ بِهِ الْجَارُ‏.‏

وَوَرَدَ الْخَبَرُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَنْعِ‏.‏

مِنْهُ كَإِسْنَادِ مَتَاعِهِ إلَيْهِ ‏(‏وَلَا بِوُجُودِ آخَرَ‏)‏ أَوْ حِجَارَةٍ، وَلَا كَوْنِ الْآجُرَّةِ الصَّحِيحَةِ مِمَّا يَلِي أَحَدَهُمَا وَقَطْعِ الْآجُرِّ مِمَّا يَلِي الْآخَرَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏بِتَزْوِيقٍ وَتَجْصِيصٍ وَمَعَاقِدِ قِمْطٍ فِي خُصٍّ‏)‏ لِعُمُومِ حَدِيثِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ‏}‏ وَلِأَنَّ وُجُوهَ الْآجُرِّ وَمَعَاقِد الْقِمْطِ إذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْجِدَارِ وَالْخُصِّ‏.‏

لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إلَى أَحَدِهِمَا، إذْ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ إلَيْهِمَا جَمِيعًا فَبَطَلَتْ دَلَالَتُهُ كَالتَّزْوِيقِ وَالتَّجْصِيصِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، ‏(‏وَإِنْ تَنَازَعَ رَبُّ عُلُوٍّ وَرَبُّ سُفْلٍ فِي سَقْفٍ بَيْنَهُمَا‏)‏ تَحَالَفَا و‏(‏تَنَاصَفَاهُ‏)‏ لِحَجْزِهِ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا وَانْتِفَاعِهِمَا بِهِ وَاتِّصَالِهِ بِبِنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَالْحَائِطِ بَيْنَ مِلْكَيْهِمَا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ تَنَازَعَ رَبُّ عُلُوٍّ وَرَبُّ سُفْلٍ ‏(‏فِي سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏دَرَجَةٍ‏)‏ يَصْعَدُ مِنْهَا وَلَيْسَ تَحْتَهَا مِرْفَقٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ كَدَكَّةٍ أَوْ سُلَّمٍ مُسَمَّرٍ، ‏(‏فَ‏)‏ السُّلَّمُ ‏(‏لِرَبِّ الْعُلُوِّ‏)‏ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَرَافِقِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهَا‏)‏ أَيْ الدَّرَجَةِ ‏(‏مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فَ‏)‏ يَتَحَالَفَانِ و‏(‏يَتَنَاصَفَاهَا‏)‏ أَيْ الدَّرَجَةِ؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهَا، وَلِأَنَّهَا سَقْفُ السُّفْلَانِي وَمَوْطِئُ لِلْفَوْقَانِيِّ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهَا طَاقٌ صَغِيرٌ لَمْ تُبْنَ الدَّرَجَةُ لِأَجْلِهِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِرْفَقًا تُجْعَلُ فِيهِ جِرَارُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ‏.‏

‏(‏وَإِنْ تَنَازَعَا‏)‏ أَيْ رَبُّ الْعُلُوِّ وَرَبُّ السُّفْلِ ‏(‏الصَّحْنَ‏)‏ الْمُتَوَصَّلَ مِنْهُ إلَى الدَّرَجَةِ ‏(‏وَ‏)‏ الْحَالُ أَنَّ ‏(‏الدَّرَجَةَ بِصَدْرِهِ‏)‏ أَيْ الصَّحْنِ ‏(‏فَ‏)‏ الصَّحْنُ ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ يَدَيْهِمَا عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ‏)‏ الدَّرَجَةُ ‏(‏فِي الْوَسَطِ‏)‏ أَيْ وَسَطِ الصِّحْنِ ‏(‏فَمَا إلَيْهَا‏)‏ أَيْ الدَّرَجَةِ مِنْ الصَّحْنِ ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏؛ لِأَنَّ يَدَهُمَا عَلَيْهِ ‏(‏وَمَا وَرَاءَهُ‏)‏ أَيْ الْمَكَانَ الَّذِي بِهِ الدَّرَجَةُ مِنْ بَاقِي الصَّحْنِ ‏(‏لِرَبِّ السُّفْلِ‏)‏ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِرَبِّ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا لَوْ تَنَازَعَ رَبُّ بَابٍ بِصَدْرِ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَدَرْبِ بَابٍ بِوَسْطَةٍ‏)‏ أَيْ الدَّرْبِ ‏(‏فِي الدَّرْبِ‏)‏ فَمِنْ أَوَّلِهِ إلَى الْبَابِ وَسَطُهُ بَيْنَهُمَا وَمَا وَرَاءَ الْبَابِ بِوَسَطِهِ إلَى صَدْرِهِ لِمَنْ بَابُهُ بِصَدْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ الْحَالُ الثَّانِي

أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ‏(‏فَهِيَ لَهُ وَيَحْلِفُ‏)‏ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا لِلْآخَرِ، لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ ‏(‏إنْ لَمْ تَكُنْ‏)‏ لِمَنْ الْعَيْنُ بِغَيْرِ يَدِهِ ‏(‏بَيِّنَةٌ‏)‏ لِخَبَرِ ‏"‏ ‏{‏شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إلَّا ذَلِكَ‏}‏ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا، ‏(‏وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاكِمَ كِتَابَةَ مَحْضَرٍ مِمَّا جَرَى إيجَابُهُ‏)‏ إلَيْهِ وُجُوبًا ‏(‏وَذَكَرَ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْمَحْضَرِ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمَ ‏(‏بَقَّى الْعَيْنَ بِيَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا يَرْفَعُهَا‏)‏ أَيْ يَدَهُ عَنْهَا، ‏(‏وَلَا يَثْبُتُ مِلْكٌ بِذَلِكَ‏)‏ أَيْ وَضْعِ الْيَدِ ‏(‏كَمَا يَثْبُتُ‏)‏ الْمِلْكُ ‏(‏بِبَيِّنَةٍ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ‏)‏ أَيْ رَبِّ الْيَدِ ‏(‏بِمُجَرَّدِ الْيَدِ‏)‏؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ لِاحْتِمَالِ خِلَافِهِ إنَّمَا تُرَجَّحُ بِهِ الدَّعْوَى‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ الْحَالُ الثَّالِثُ

أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا بِيَدَيْهِمَا أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ‏(‏كَطِفْلٍ‏)‏ مَجْهُولٍ نَسَبُهُ ‏(‏كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏مُمْسِكٌ لِبَعْضِهِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏كَمَا مَرَّ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ ‏(‏فِيمَا يَنْتَصِفُ‏)‏ أَيْ فِي الْحَالِ الْأُولَى ‏(‏وَتَنَاصَفَاهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى بِهِ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَارٍ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَجَعَلَهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ‏.‏

وَكَذَا إنْ نَكِلَا؛ لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهَا فَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا نِصْفًا‏)‏ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ‏(‏فَأَقَلُّ‏)‏ مِنْ النِّصْفِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ يَدَّعِيَ ‏(‏الْآخَرُ الْجَمِيعَ‏)‏ أَيْ جَمِيعَ الْمُدَّعَى بِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ يَدَّعِيَ الْآخَرُ ‏(‏أَكْثَرَ مِمَّا بَقِيَ‏)‏ مِمَّا يَدَّعِيه الْآخَرُ، كَأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ ثَلَاثَةَ الْأَرْبَاعِ ‏(‏فَيَحْلِفُ مُدَّعِي الْأَقَلَّ‏)‏ وَحْدَهُ، ‏(‏وَيَأْخُذُهُ‏)‏ أَيْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَقَلَّ مِمَّا بِيَدِهِ ظَاهِرًا أَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَرَدَ بِالْيَدِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي بِيَدَيْهِمَا ‏(‏مُمَيِّزًا فَقَالَ‏:‏ إنِّي حُرٌّ خُلِّيَ‏)‏ سَبِيلَهُ وَمُنِعَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِالْوَصِيَّةِ وَيُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ أَشْبَهَ الْبَالِغَ ‏(‏حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ طَارِئٌ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِمُدَّعِي رِقِّهِ عُمِلَ بِهَا لِشَهَادَتِهَا بِزِيَادَةٍ، ‏(‏فَإِنْ قَوِيَتْ يَدُ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ بِأَيْدِيهِمَا ‏(‏كَحَيَوَانٍ‏)‏ ادَّعَاهُ اثْنَانِ ‏(‏وَاحِدٌ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏سَائِقُهُ أَوْ آخِذٌ بِزِمَامِهِ وَآخَرُ رَاكِبُهُ أَوْ عَلَيْهِ حِمْلُهُ‏)‏ فَلِلثَّانِي الرَّاكِبِ وَصَاحِبِ الْحِمْلِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ‏.‏

تَصَرُّفَهُ أَقْوَى وَيَدَهُ آكَدُ وَهُوَ الْمُسْتَوْفِي لِمَنْفَعَةِ الْحَيَوَانِ ‏(‏أَوْ وَاحِدٌ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏عَلَيْهِ حِمْلُهُ وَآخَرُ رَاكِبُهُ‏)‏ فَلِلثَّانِي الرَّاكِبِ بِيَمِينِهِ لِقُوَّةِ تَصَرُّفِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الدَّابَّةَ لِلرَّاكِبِ وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا مَا عَلَيْهَا مِنْ الْحِمْلِ فَهُوَ لِلرَّاكِبِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْحِمْلِ مَعًا بِخِلَافِ السَّرْجِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ ك ‏(‏قَمِيصٍ وَاحِدٌ آخِذٌ بِكُمِّهِ وَآخَرُ لَابِسُهُ فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِلثَّانِي‏)‏ اللَّابِسِ لَهُ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ كُمَّهُ بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهِ بِيَدِ الْآخَرِ، أَوْ تَنَازَعَا عِمَامَةً طَرَفُهَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا وَبَاقِيهَا بِيَدِ الْآخَرِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُمْسِكِ لِلطَّرَفِ عَلَيْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ كَانَ بَاقِيهَا عَلَى الْأَرْضِ فَنَازَعَهُ غَيْرُهُ فِيهَا كَانَتْ لَهُ، وَإِنْ تَنَازَعَ اثْنَانِ دَارًا فِيهَا أَرْبَعَةُ أَبْيَاتٍ أَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْهَا وَالْآخَرُ سَاكِنٌ فِي الثَّلَاثَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَنْفَصِلُ عَنْ صَاحِبِهِ وَلَا يُشَارِكُ الْخَارِجُ مِنْهُ السَّاكِنَ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَنَازَعَا السَّاحَةَ الَّتِي يَتَطَرَّقُ مِنْهَا إلَى الْبُيُوتِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَيُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ‏)‏ أَيْ ظَاهِرِ الْحَالِ ‏(‏فِيمَا بِيَدَيْهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ‏(‏مُشَاهَدَةً أَوْ‏)‏ بِيَدَيْهِمَا ‏(‏حُكْمًا أَوْ بِيَدِ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏مُشَاهَدَةً وَ‏)‏ بِيَدِ ‏(‏الْآخَرِ حُكْمًا‏)‏‏.‏

وَتَأْتِي أَمْثِلَةُ ذَلِكَ ‏(‏فَلَوْ نُوزِعَ رَبُّ دَابَّةٍ فِي رَحْلٍ عَلَيْهَا‏)‏ وَكُلٌّ مِنْهُمَا آخِذٌ بِبَعْضِهِ فَهُوَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ عَادَةً أَنَّ الرَّحْلَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ، ‏(‏أَوْ‏)‏ نُوزِعَ ‏(‏رَبُّ قِدْرٍ وَنَحْوِهِ‏)‏ مِنْ الْأَوَانِي وَالظُّرُوفِ ‏(‏فِي شَيْءٍ فِيهِ‏)‏ مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ أَوْ تَمْرٍ، وَالْقِدْرُ وَنَحْوُهُ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ الْقِدْرَ لِأَحَدِهِمَا، ‏(‏فَ‏)‏ مَا فِيهِ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ لِرَبِّ الْقِدْرِ وَنَحْوِهِ بِيَمِينِهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ نَازَعَ رَبُّ دَارٍ خَيَّاطًا فِيهَا‏)‏ أَيْ الدَّارِ ‏(‏فِي إبْرَةٍ أَوْ‏)‏ فِي ‏(‏مِقَصٍّ‏)‏ فَلِلثَّانِي أَيْ الْخَيَّاطِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَالِ أَنَّ الْخَيَّاطَ إذَا دُعِيَ لِلْخِيَاطَةِ يَحْمِلُ مَعَهُ إبْرَتَهُ وَمِقَصَّهُ، ‏(‏أَوْ‏)‏ نَازَعَ رَبُّ دَارٍ ‏(‏قَرَّابًا فِي قِرْبَةٍ‏)‏ فِي الدَّارِ ‏(‏فَ‏)‏ هِيَ ‏(‏لِلثَّانِي‏)‏ أَيْ الْقِرَابُ لِمَا تَقَدَّمَ، ‏(‏وَعَكْسُهُ‏)‏ أَيْ مَا سَبَقَ وَلَوْ تَنَازَعَ ‏(‏الثَّوْبَ‏)‏ الْمَخِيطَ ‏(‏وَالْخَابِيَةَ‏)‏ الَّتِي يُصَبُّ فِيهَا الْمَاءُ فَهُمَا لِرَبِّ الدَّارِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ‏(‏وَإِنْ تَنَازَعَ مُكْرٍ وَمُكْتَرٍ‏)‏ لِدَارٍ ‏(‏فِي رَفٍّ مَقْلُوعٍ‏)‏ لَهُ شَكْلٌ فِي الدَّارِ ‏(‏أَوْ‏)‏ تَنَازَعَا فِي ‏(‏مِصْرَاعٍ‏)‏ مَقْلُوعٍ ‏(‏لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٍ فِي الدَّارِ فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِرَبِّهَا‏)‏ مَعَ يَمِينه؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوبَ تَابِعٌ لِلدَّارِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَدَ الرَّفَّيْنِ أَوْ أَحَدَ الْمِصْرَاعَيْنِ لِمَنْ لَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْ صَاحِبِهِ كَالْحَجَرِ الْفَوْقَانِيّ فِي الرَّحَا وَالْمِفْتَاحِ مَعَ الْقُفْلِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ مَعَ الرَّفِّ الْمَقْلُوعِ أَوْ الْمِصْرَاعِ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ فِي الدَّارِ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي بِيَمِينِهِمَا، ‏(‏وَمَا جَرَتْ‏.‏

عَادَةٌ بِهِ‏)‏ أَيْ بِأَنَّهُ الْمُكْرِي ‏(‏وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي بَيْعِ‏)‏ الدَّارِ كَمِفْتَاحِهَا ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِرَبِّهَا‏)‏ كَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ وَالرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ وَالرَّحَا الْمَنْصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ أَشْبَهَ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ إنْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ لِلْمُكْرِي كَالْأَثَاثِ وَالْأَوَانِي وَالْكُتُبِ وَالْحَبْلِ الَّذِي يَسْتَقِي بِهِ مِنْ بِئْرٍ ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لِمُكْتَرٍ‏)‏ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُكْرِي دَارِهِ فَارِغَةً‏.‏

‏(‏وَلَوْ تَنَازَعَ زَوْجَانِ أَوْ‏)‏ تَنَازَعَ ‏(‏وَرَثَتُهُمَا أَوْ‏)‏ تَنَازَعَ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ ‏(‏وَوَرَثَةُ الْآخَرِ وَلَوْ مَعَ رِقِّ أَحَدِهِمَا‏)‏ نَصًّا ‏(‏فِي قُمَاشِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ‏)‏ فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ كُلَّهُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ أَخَذَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ‏(‏فَمَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ‏)‏ كَعِمَامَةٍ وَقُمْصَانِ رِجَالٍ وَجَبَابِهِمْ وَأَقْبِيَتِهِمْ وَالطَّيَالِسَةِ وَالسِّلَاحِ وَأَشْبَاهِهَا، ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لَهُ‏)‏ أَيْ الزَّوْجِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مَا يَصْلُحُ ‏(‏لَهَا‏)‏ أَيْ الْمَرْأَةِ مِنْ حُلِيٍّ وَخُمُرٍ وَقُمُصِ نِسَاءٍ وَمَقَانِعِهِنَّ وَمَغَازِلِهُنَّ ‏(‏فَلَهَا‏)‏ أَيْ الزَّوْجَةِ، ‏(‏وَ‏)‏ مَا يَصْلُحُ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ كَفُرُشٍ وَقُمَاشٍ لَمْ يُفَصَّلْ وَأَوَانٍ وَنَحْوِهِمَا ‏(‏فَ‏)‏ هُوَ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ بِيَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَوْ الْمُشَاهَدَةِ نَقَلَ الْأَثْرَمُ‏:‏ الْمُصْحَفُ لَهُمَا فَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْرَأُ وَلَا تَعْرِفُ بِذَلِكَ فَلَهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَتَاعُ بِيَدِ غَيْرِهِمَا فَمَنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ أُقْرِعَ فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهُ‏.‏

‏(‏وَكَذَا‏)‏ إذَا تَنَازَعَ ‏(‏صَانِعَانِ فِي آلَةِ دُكَّانِهِمَا، فَآلَةُ كُلِّ صَنْعَةٍ لِصَانِعِهَا‏)‏ كَنَجَّارٍ وَحَدَّادٍ بِدُكَّا وَتَنَازَعَا فِي آلَتِهِمَا أَوْ بَعْضِهَا فَآلَةُ النَّجَّارِ لِلنَّجَّارِ وَآلَةُ الْحَدَّادِ لِلْحَدَّادِ، سَوَاءٌ كَانَتْ أَيْدِيهِمَا عَلَى الْآلَةِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَوْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدٌ حُكْمِيَّةٌ كَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَنَازَعَا شَيْئًا لَيْسَ بِدَارِهِمَا، أَوْ صَانِعَانِ آلَةً لَيْسَتْ بِدُكَّانِهِمَا فَلَا يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ، بَلْ إنْ كَانَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ أَوْ بِيَدَيْهِمَا فَبَيْنَهُمَا وَفِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يُنَازَعْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا‏.‏

‏(‏وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هُوَ‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ‏(‏لَهُ فَ‏)‏ هُوَ لَهُ ‏(‏بِيَمِينِهِ‏)‏، لِاحْتِمَالِ صِدْقِ غَرِيمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، ‏(‏وَمَتَى كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا‏)‏ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ وَلَمْ يَحْلِفْ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إحْدَى حُجَّتَيْ الدَّعْوَى فَيُكْتَفَى بِهَا كَالْيَمِينِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ ‏(‏بَيِّنَةٌ‏)‏ بِهَا ‏(‏وَتَسَاوَتَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَانِ ‏(‏مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا‏)‏؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الْأُخْرَى، فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِمَا وَلَا بِأَحَدِهِمَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا ‏(‏فَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَنَاصَفَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بَعِيرًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِشَاهِدَيْنِ فَقَسَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، ‏(‏وَيُقْرَعُ‏)‏ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً ‏(‏فِيمَا لَيْسَ بِيَدِ أَحَدٍ أَوْ بِيَدِ ثَالِثٍ، وَلَمْ يُنَازِعْ‏)‏ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فِيهِ فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ حَلَفَ وَأَخَذَ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ‏(‏بِيَدِ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ لَهُ ‏(‏حُكِمَ بِهِ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ الْخَارِجُ بِبَيِّنَةٍ سَوَاءٌ أُقِيمَتْ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ‏)‏ أَيْ رَبِّ الْيَدِ، ‏(‏وَهُوَ الدَّاخِلُ بَعْدَ رَفْعِ يَدِهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ شَهِدَتْ لَهُ‏)‏ أَيْ لِرَبِّ الْيَدِ ‏(‏أَنَّهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ‏)‏ أَنَّهَا ‏(‏قَطِيعَةٌ مِنْ إمَامٍ أَوْ لَا‏)‏، بِأَنْ لَمْ تَشْهَدْ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ‏}‏ فَجَعَلَ جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعِي، فَلَا يَبْقَى فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؛ وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَوَجْهُ كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا أَنَّهَا تُثْبِتُ سَبَبًا لَمْ يَكُنْ، وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ، وَلَا يَحْلِفُ الْخَارِجُ مَعَ بَيِّنَةٍ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ ‏(‏وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ‏)‏ أَيْ رَبِّ الْيَدِ ‏(‏وَهُوَ مُنْكِرٌ‏)‏ لِدَعْوَى الْخَارِجِ ‏(‏لِادِّعَائِهِ الْمِلْكَ‏)‏ لِمَا بِيَدِهِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ تَعَدِّيًا بِبَلَدٍ وَوَقْتٍ مُعَيَّنَيْنِ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ مُنْكِرٌ فَادَّعَى كَذِبَهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ بِهِ‏)‏ أَيْ بِذَلِكَ الْوَقْتِ ‏(‏بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ‏)‏ فَتُسْمَعُ وَيُعْمَلُ بِهَا‏.‏

قَالَ فِي الِانْتِصَارِ‏:‏ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَيِّنَةُ مُدَّعٍ بِاتِّفَاقِنَا وَفِيهِ وَقَدْ تَثْبُتُ فِي جَنْبَةِ مُنْكِرٍ وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا بِيَدِهِ فَيُقِيمُ بَيِّنَةً بِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقِيمَهَا فِي الدَّيْنِ لِعَدَمِ إحَاطَتِهَا بِهِ، ‏(‏وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ مَعَ عَدَمِ بَيِّنَةِ خَارِجٍ‏)‏ لِعَدَمِ حَاجَتِهِ إلَيْهَا، كَمَا لَوْ أَقَرَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِدَفْعِ التُّهْمَةِ وَالْيَمِينِ عَنْهُ ‏(‏وَمَعَ حُضُورِ الْبَيِّنَتَيْنِ‏)‏ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ ‏(‏لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ دَاخِلٍ قَبْلَ بَيِّنَةِ خَارِجٍ وَتَعْدِيلِهَا‏)‏، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ هِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَمُعْتَمَدُ الْحُكْمِ وَبَيِّنَةُ الدَّاخِلِ لَا تُسْمَعُ إلَّا مَعَهَا فَلَا تَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا‏.‏

‏(‏وَتُسْمَعُ‏)‏ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ ‏(‏بَعْدَ التَّعْدِيلِ‏)‏ لِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ‏(‏قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ‏)‏، وَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ غَائِبَةً حِينَ رَفَعْنَا يَدَهُ‏)‏ عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ، ‏(‏فَجَاءَتْ وَقَدْ ادَّعَى‏)‏ فِيهِ ‏(‏مِلْكًا مُطْلَقًا‏)‏ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ لِحَالٍ وَضَعَ فِيهِ يَدَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً، ‏(‏فَهِيَ بَيِّنَةُ خَارِجٍ‏)‏ فَتُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي الْأَوَّلِ، ‏(‏فَإِنَّ ادَّعَاهُ‏)‏ أَيْ الْمِلْكَ ‏(‏مُسْتَنِدًا لِمَا قَبْلَ يَدِهِ‏)‏ وَأَقَامَهَا ‏(‏فَ‏)‏ هِيَ ‏(‏بَيِّنَةُ دَاخِلٍ‏)‏ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا لِاسْتِنَادِ دَعْوَى الْمُنْكِرِ إلَى حَالِ وَضْعِ يَدِهِ، ‏(‏وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ‏)‏ غَيْرُ وَاضِعِ الْيَدِ ‏(‏بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الدَّاخِلِ‏)‏ وَاضِعِ الْيَدِ، ‏(‏وَأَقَامَ‏.‏

الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ؛ لِأَنَّهُ الْخَارِجُ مَعْنًى‏)‏ لِإِثْبَاتِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ صَاحِبُ الْيَدِ وَأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ نَائِبَةٌ عَنْهُ، ‏(‏وَإِنْ أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةَ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَ‏)‏ أَقَامَ ‏(‏الْآخَرُ‏)‏ أَيْ الدَّاخِلُ ‏(‏بَيِّنَةَ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْخَارِجَ ‏(‏بَاعَهَا مِنْهُ‏)‏ أَيْ الدَّاخِلِ ‏(‏أَوْ وَقَّفَهَا عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ الدَّاخِلِ ‏(‏أَوْ أَعْتَقَهَا‏)‏ أَيْ الرَّقَبَةَ، ‏(‏قُدِّمَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏الثَّانِيَةُ‏)‏ لِشَهَادَتِهَا بِأَمْرٍ حَدَثَ عَلَى الْمِلْكِ خَفِيَ عَلَى الْأُولَى فَثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ وَالْبَيْعُ أَوْ الْوَقْفُ أَوْ الْعِتْقُ مِنْهُ، ‏(‏وَلَمْ تُرْفَعْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ يَدَهُ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏كَقَوْلِهِ‏:‏ أَبْرَأَنِي مِنْ الدَّيْنِ‏)‏ وَيُقِيمُ بِهِ بَيِّنَةً‏.‏

‏(‏أَمَّا لَوْ قَالَ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ‏)‏ بِأَنَّهُ بَاعَهُ مِنِّي أَوْ أَوْقَفَهُ عَلَيَّ أَوَأَعْتَقَهُ ‏(‏طُولِبَ‏)‏ مُدَّعًى عَلَيْهِ ‏(‏بِالتَّسْلِيمِ‏)‏ لِلْمُدَّعَى بِهِ ‏(‏لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ يَطُولُ‏)‏، وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا، ‏(‏وَمَتَى أُرِّخَتَا‏)‏ أَيْ بَيِّنَةُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ ‏(‏وَالْعَيْنُ بِيَدَيْهِمَا فِي شَهَادَةٍ بِمِلْكٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ‏:‏ مَلَكَ الْعَيْنَ وَقْتَ كَذَا، وَقَالَتْ الْأُخْرَى‏:‏ مَلَكَهَا وَقْتَ كَذَا، ‏(‏أَوْ‏)‏ أُرِّخَتَا ‏(‏فِي شَهَادَةٍ بِيَدٍ‏)‏ بِأَنْ قَالَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ‏:‏ الْعَيْنُ بِيَدِهِ مُنْذُ كَذَا وَقَالَتْ الْأُخْرَى‏:‏ بِيَدِهِ مُنْذُ كَذَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أُرِّخَتْ ‏(‏إحْدَاهُمَا فَقَطْ‏)‏ أَيْ وَلَمْ تُؤَرَّخْ الْأُخْرَى، ‏(‏فَهُمَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَانِ ‏(‏سَوَاءٌ‏)‏ لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعِيرٍ فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَعِيرِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ خَارِجٌ فِي نِصْفِهَا، ‏(‏إلَّا أَنْ‏.‏

تَشْهَدَ الْمُتَأَخِّرَةُ‏)‏ تَأْرِيخًا إذَا أُرِّخَتَا ‏(‏بِانْتِقَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمِلْكِ ‏(‏عَنْهُ‏)‏ أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ لَهُ بِالْمِلْكِ الْمُتَقَدِّمِ، ‏(‏وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ ‏(‏بِزِيَادَةِ نِتَاجٍ‏)‏ بِأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهَا بِنْتُ فَرَسِهِ أَوْ بَقَرَتِهِ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ‏.‏

وَالْأُخْرَى شَهِدَتْ بِالْمِلْكِ فَقَطْ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِزِيَادَةِ ‏(‏سَبَبِ مِلْكٍ‏)‏ بِأَنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَالْأُخْرَى بِالْمِلْكِ فَقَطْ، بَلْ هُمَا سَوَاءٌ لِتَسَاوِيهِمَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ مَلَكَ الْعَيْنَ الْآنَ فَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ ‏(‏أَوْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَا تُقَدَّمُ إحْدَاهُمَا بِ ‏(‏اشْتِهَارِ عَدَالَةٍ أَوْ كَثِيرِ عَدَدٍ‏)‏ كَأَرْبَعَةِ رِجَالٍ وَالْأُخْرَى رَجُلَيْنِ، ‏(‏وَلَا‏)‏ يُقَدَّمُ ‏(‏رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ‏)‏ عَلَى رَجُلٍ ‏(‏وَيَمِينٍ‏)‏؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ فَلَا تَخْتَلِفُ بِالزِّيَادَةِ‏.‏

‏(‏وَمَتَى ادَّعَى أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِي عَيْنٍ ‏(‏أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ وَ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرو وَهِيَ مِلْكُهُ وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ‏(‏تَعَارَضَتَا‏)‏، إنْ لَمْ تَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِأَيْدِيهِمَا تَحَالَفَا وَتَنَاصَفَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ ثَالِثٍ لَمْ يُنَازِعْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قُرِعَ حَلَفَ، وَأَخَذَهَا وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لِلْخَارِجِ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِيَدِ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ فَأَنْكَرَهُمَا وَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ حَلَفَ وَهِيَ لَهُ لِتَسَاقُطِ الْبَيِّنَيْنِ‏.‏

وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا فَالْمُقَرُّ لَهُ كَدَاخِلٍ وَالْآخَرُ كَخَارِجٍ عَلَى مَا يَأْتِي، ‏(‏وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ‏)‏ فِي الْعَيْنِ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، ‏(‏وَ‏)‏ شَهِدَتْ ‏(‏الْأُخْرَى بِانْتِقَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمِلْكِ ‏(‏عَنْهُ لَهُ‏)‏ أَيْ لِلْآخَرِ، ‏(‏كَمَا لَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً وَأَقَامَتْ امْرَأَتُهُ‏)‏ أَيْ الْأَبِ ‏(‏بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا‏)‏ أَيْ الدَّارَ، ‏(‏قُدِّمَتْ النَّاقِلَةُ‏)‏، وَحُكِمَ بِالْمِلْكِ لِلْمَرْأَةِ لِشَهَادَتِهَا بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمِلْكِ خَفِيَ عَلَى الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ ‏(‏كَ‏)‏ تَقَدُّمِ ‏(‏بَيِّنَةِ مِلْكٍ عَلَى بَيِّنَةِ يَدٍ‏)‏ قَالَ فِي شَرْحِهِ بِغَيْرِ خِلَافٍ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ الْحَالُ الرَّابِعُ

أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُتَنَازَعُ فِيهَا ‏(‏بِيَدِ ثَالِثٍ، فَإِنْ ادَّعَاهَا‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏لِنَفْسِهِ‏)‏ وَأَنْكَرَهُمَا ‏(‏حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ لَهُ ‏(‏يَمِينًا‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا اثْنَانِ كُلٌّ يَدَّعِيهَا، ‏(‏فَإِنْ نَكَلَ عَنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْيَمِينَيْنِ ‏(‏أَخَذَاهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْعَيْنَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا ‏(‏مِنْهُ، وَ‏)‏ أَخَذَا مِنْهُ ‏(‏بَدَلَهَا‏)‏ أَيْ مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ قِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوَّمَةً لِتَلَفِ الْعَيْنِ بِتَفْرِيطِهِ، وَهُوَ تَرْكُ الْيَمِينِ لِلْأَوَّلِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهَا، ‏(‏وَاقْتَرَعَا عَلَيْهِمَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنِ وَبَدَلِهَا؛ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ بِالْعَيْنِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، ‏(‏وَإِنْ أَقَرَّ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَخَذَاهَا مِنْهُ و‏(‏اقْتَسَمَاهَا‏)‏ نِصْفَيْنِ ‏(‏وَحَلَفَ لِكُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏يَمِينًا بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّصْفِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِصَاحِبِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِيه لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ لِلْآخَرِ ‏(‏وَحَلَفَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ‏)‏ يَمِينًا ‏(‏لِصَاحِبِهِ عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ‏)‏، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِأَيْدِيهِمَا ابْتِدَاءً‏.‏

‏(‏وَإِنْ نَكَلَ الْمُقِرُّ‏)‏ بِالْعَيْنِ لَهُمَا ‏(‏عَنْ الْيَمِينِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ الْعَيْنَ ‏(‏أَخَذَا مِنْهُ بَدَلَهَا وَاقْتَسَمَاهُ أَيْضًا‏)‏، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْعَيْنِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَقَرَّ ‏(‏لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ‏)‏ بِالْعَيْنِ جَمِيعَهَا ‏(‏حَلَفَ‏)‏ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا ‏(‏وَأَخَذَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ صَارَ كَأَنَّ الْعَيْنَ بِيَدِهِ وَالْآخَرُ مُدَّعٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، فَيَحْلِفُ لَهُ لِنَفْيِ دَعْوَاهُ ‏(‏وَيَحْلِفُ الْمُقِرُّ لِلْآخَرِ‏)‏ إنْ طَلَبَ يَمِينَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَخَافَ مِنْ الْيَمِينِ، فَيُقِرُّ لَهُ فَيَغْرَمُ لَهُ بَدَلَهَا‏.‏

‏(‏فَإِنْ نَكَلَ‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ لِلْآخَرِ ‏(‏أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنِ بِالْحُكْمِ بِنُكُولِهِ‏.‏

‏(‏وَإِذَا أَخَذَهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنَ الْمُقَرُّ لَهُ بِهَا بِمُقْتَضَى إقْرَارِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَهُ، ‏(‏فَأَقَامَ‏)‏ الْمُدَّعِي ‏(‏الْآخَرُ بَيِّنَةً‏)‏ أَنَّهَا مِلْكُهُ ‏(‏أَخَذَهَا مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُقَرِّ لَهُ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ لَهَا‏.‏

قَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ ‏(‏وَلِلْمُقَرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ‏)‏ قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَلَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ لِغَيْرِ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ‏.‏ انْتَهَى‏.‏ وَهُوَ بَعِيدٌ، ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ ‏(‏هِيَ لِأَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ‏(‏وَأَجْهَلُهُ فَصَدَّقَاهُ‏)‏ عَلَى جَهْلِهِ بِهِ ‏(‏لَمْ يَحْلِفْ‏)‏ لِتَصْدِيقِهِمَا لَهُ فِي دَعْوَاهُ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُصَدِّقَاهُ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ لَهُمَا ‏(‏يَمِينًا وَاحِدَةً‏)‏؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ إلَّا بِطَلَبِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ مِنْهُمَا لِلْيَمِينِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، ‏(‏وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ لِلْعَيْنِ‏.‏

‏(‏فَمَنْ قُرِعَ‏)‏ صَاحِبُهُ ‏(‏حَلَفَ وَأَخَذَهَا‏)‏ نَصًّا لِحَدِيثِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏أَنَّ رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا فِي دَابَّةٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الْيَمِينِ أَحَبَّا أَوْ كَرِهَا‏}‏ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِهَا يَصِيرُ صَاحِبَ الْيَدِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ، فَعُيِّنَ بِالْقُرْعَةِ، ‏(‏ثُمَّ إنْ بَيَّنَ‏)‏ أَيْ بَيَّنَ مَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا مِنْهُمَا بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ هِيَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلُهُ ‏(‏قُبِلَ‏)‏ كَتَبْيِينِهِ ابْتِدَاءً‏.‏

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِهَا لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَالشَّهَادَةِ بِهَا كَذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ لِمَجْهُولٍ وَلَا بِهِ، ‏(‏وَلَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ اللَّذَيْنِ قَالَ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ‏:‏ هِيَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْهَلُهُ ‏(‏الْقُرْعَةُ بَعْدَ تَحْلِيفِهِ الْوَاجِبِ وَقَبْلَهُ‏)‏ أَيْ التَّحْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْقُرْعَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى يَمِينِهِ وَلِذَلِكَ لَوْ صَدَّقَاهُ لَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ‏.‏

‏(‏فَإِنْ نَكَلَ‏)‏ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ عَنْ حَلِفِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ عَيْنَ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا مِنْهُمَا ‏(‏قُدِّمَتْ الْقُرْعَةُ‏)‏؛ لِأَنَّهَا تُعَيِّنُ الْمُقَرَّ لَهُ مِنْهُمَا، فَإِذَا خَرَجَ كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ لَهُ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ، ‏(‏وَيَحْلِفُ لِلْمَقْرُوعِ إنْ كَذَّبَهُ‏)‏ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ، ‏(‏فَإِنْ نَكَلَ‏)‏ عَنْ الْيَمِينِ لَهُ ‏(‏أَخَذَ مِنْهُ بَدَلَهَا‏)‏ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِهَا لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا‏)‏ ثَالِثٌ فَقَالَ‏:‏ لَيْسَتْ لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا ‏(‏وَلَمْ يُنَازِعْ أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَ الْمُدَّعِيَيْنِ كَإِقْرَارِهِ لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ‏(‏فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنَ ‏(‏لِلْآخَرِ‏)‏ الْمَقْرُوعِ ‏(‏فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ‏)‏ لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ، ‏(‏وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ‏(‏بَيِّنَةٌ‏)‏ بِالْعَيْنِ ‏(‏حُكِمَ لَهُ بِهَا‏)‏ كَمَا لَوْ أَنْكَرَهُمَا رَبُّ الْيَدِ وَنَازَعَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ‏(‏بَيِّنَةٌ تَعَارَضَتَا‏)‏ لِتَسَاوِيهِمَا فِي عَدَمِ الْيَدِ فَيَسْقُطَانِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا، ‏(‏سَوَاءٌ أَقَرَّ‏)‏ رَبُّ الْيَدِ ‏(‏لَهُمَا أَوْ‏)‏ أَقَرَّ ‏(‏لِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ، أَوْ‏)‏ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا ‏(‏لَيْسَتْ بِيَدِ أَحَدٍ‏)‏ فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا‏.‏

‏(‏وَإِنْ أَنْكَرَهُمَا‏)‏ رَبُّ الْيَدِ ‏(‏فَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لَمْ تُرَجَّحْ‏)‏ بَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ ‏(‏بِذَلِكَ، وَحُكْمُ التَّعَارُضِ بِحَالِهِ‏)‏ اعْتِبَارًا بِحَالِ قِيَامِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَرُجُوعُ الْيَدِ إلَى صَاحِبِهَا طَارِئٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، ‏(‏وَإِقْرَارُهُ‏)‏ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ‏(‏صَحِيحٌ‏)‏ فَيُعْمَلُ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ‏)‏ بِالْعَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ‏(‏قَبْلَ إقَامَتِهِمَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ، ‏(‏فَالْمُقَرُّ لَهُ كَدَاخِلٍ‏)‏ لِانْتِقَالِ الْيَدِ إلَيْهِ بِإِقْرَارِ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ ابْتِدَاءً ‏(‏وَالْآخَرُ‏)‏ غَيْرُ الْمُقَرِّ لَهُ ‏(‏كَخَارِجٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَدِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنَ لِنَفْسِهِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ، ‏(‏وَلَمْ يُقِرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ وَلَا بَيِّنَةَ‏)‏ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ ‏(‏فَهِيَ لِأَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ‏)‏ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الدَّعْوَى وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ وَالْيَدِ، ‏(‏فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مُكَلَّفًا وَأَقَامَا بَيِّنَةً بِرِقِّهِ وَأَقَامَ‏)‏ الْمُكَلَّفُ ‏(‏بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ تَعَارَضَتَا‏)‏ لِتَسَاوِيهِمَا، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ‏)‏ الْمُكَلَّفُ ‏(‏حُرِّيَّةً فَأَقَرَّ‏)‏ بِالرِّقِّ ‏(‏لِأَحَدِهِمَا، فَهُوَ لَهُ‏)‏ كَمُدَّعٍ وَاحِدٍ، وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ إقْرَارِ الْمُكَلَّفِ بِالرِّقِّ، وَهَذَا فِي غَيْرِ اللَّقِيطِ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهِ مُطْلَقًا، ‏(‏وَ‏)‏ إنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ ‏(‏لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا‏)‏ لِمَا تَقَدَّمَ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَقَالَ‏:‏ أَنَا‏.‏

عَبْدُهُمَا أَوْ عَبْدُ أَحَدِهِمَا ‏(‏لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ‏)‏ بِالرِّقِّ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِهِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ ادَّعَى دَارًا وَ‏)‏ ادَّعَى ‏(‏آخَرُ نِصْفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ‏)‏ الدَّارُ ‏(‏بِأَيْدِيهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ‏(‏وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ‏(‏فَهِيَ لِمُدَّعِي الْكُلِّ‏)‏؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ النِّصْفِ مُقِرٌّ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لِصَاحِبِهِ، فَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ يَدَّعِيهِ صَاحِبُ الْكُلِّ، وَيَدُ مُدَّعِي النِّصْفِ عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ، فَمُدَّعِي الْكُلِّ هُوَ الْخَارِجُ وَبَيِّنَتُهُ مُقَدَّمَةٌ‏.‏

‏(‏وَإِنْ كَانَتْ‏)‏ الدَّارُ ‏(‏بِيَدِ ثَالِثٍ فَإِنْ نَازَعَ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏فَلِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفٌ‏)‏ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ النِّصْفُ ‏(‏الْآخَرُ لِرَبِّ الْيَدِ بِيَمِينِهِ‏)‏ لِرُجْحَانِهِ بِالْيَدِ، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ لِمُدَّعِيهِ لِسُقُوطِ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُنَازِعْ‏)‏ الثَّالِثُ ‏(‏فَقَدْ ثَبَتَ أَخْذُ نِصْفِهَا لِمُدَّعِي الْكُلِّ‏)‏ لِمَا سَبَقَ، ‏(‏وَيَقْتَرِعَانِ‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَانِ ‏(‏عَلَى‏)‏ النِّصْفِ ‏(‏الْبَاقِي‏)‏ لِسُقُوطِ الْبَيِّنَتَيْنِ بِالتَّعَارُضِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ، ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ‏(‏بَيِّنَةٌ‏)‏ وَهِيَ بِيَدِ ثَالِثٍ لَمْ يُنَازِعْ ‏(‏فَلِمُدَّعِي كُلِّهَا نِصْفُهَا‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهِ، ‏(‏وَيَقْتَرِعَانِ‏)‏ عَلَى النِّصْفِ الْآخَرِ ‏(‏فَمَنْ قُرِعَ‏)‏ أَيْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ‏(‏فِي النِّصْفِ‏)‏ الْآخَرِ ‏(‏حَلَفَ‏)‏ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْآخَرِ فِيهِ، ‏(‏وَأَخَذَهُ‏)‏ كَالْعَيْنِ الْكَامِلَةِ، ‏(‏وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏نِصْفَهَا‏)‏ أَيْ الدَّارِ وَنَحْوِهَا ‏(‏وَصَدَّقَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ أَحَدَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ، ‏(‏وَكَذَّبَ الْآخَرَ وَلَمْ يُنَازِعْ‏)‏ مَنْ كَذَّبَهُ فِي نِصْفِهِ أَخَذَ الْمُصَدَّقُ نِصْفَهُ، وَأَمَّا النِّصْفُ الْآخَرُ ‏(‏فَقِيلَ‏:‏ يُسَلَّمُ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ مُدَّعِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُدَّعِيَ لَهُ غَيْرُهُ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يَحْفَظُهُ حَاكِمٌ‏)‏ كَمَالٍ ضَائِعٍ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ يَبْقَى بِحَالِهِ‏)‏ بِيَدِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ لِيَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ‏.‏

فصل‏:‏ َمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ

وَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ، إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ، ‏(‏أَوْ ادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ زَيْدًا بَاعَهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدَ لَهُ ‏(‏أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَادَّعَى آخَرُ مِثْلَهُ وَأَقَامَ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏بَيِّنَةً‏)‏ بِدَعْوَاهُ، ‏(‏صَحَّحْنَا أَسْبَقَ التَّصَرُّفَيْنِ إنْ عُلِمَ التَّارِيخُ‏)‏ لِمُصَادَفَةِ التَّصَرُّفِ الثَّانِي مِلْكَ غَيْرِهِ فَوَجَبَ بُطْلَانُهُ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُعْلَمَ التَّارِيخُ أَوْ اتَّفَقَ ‏(‏تَسَاقَطَتَا‏)‏ لِتَعَارُضِهِمَا وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا إنْ كَانَ الْعَبْدُ بِيَدِ نَفْسِهِ‏)‏ نَصًّا إلْغَاءً لِهَذِهِ الْيَدِ لِلْعِلْمِ بِمُسْتَنَدِهَا وَهُوَ الدَّعْوَى، وَلَمْ تَثْبُتْ كَمَنْ بِيَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِهَذِهِ الْيَدِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ ادَّعَيَا‏)‏ أَيْ اثْنَانِ ‏(‏زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ‏)‏ فَأَنْكَرَتْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، ‏(‏وَأَقَامَ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏بَيِّنَةً‏)‏ بِدَعْوَاهُ، ‏(‏وَلَوْ كَانَتْ‏)‏ الْمَرْأَةُ ‏(‏بِيَدِ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُدَّعِيَيْنِ ‏(‏سَقَطَتَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَانِ لِتَعَارُضِهِمَا، وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ عَلَى الْحُرِّ وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ وَحْدَهُ حُكِمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ ادَّعَاهَا وَاحِدٌ فَصَدَّقَتْهُ قُبِلَ إقْرَارُهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّهَمَةٍ إذَنْ‏.‏

‏(‏وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِمَّنْ الْعَيْنُ بِيَدَيْهِمَا بَيِّنَةً بِشِرَائِهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْعَيْنُ ‏(‏مِلْكُهُ بِكَذَا، وَاتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ ‏(‏تَحَالَفَا وَتَنَاصَفَاهَا‏)‏؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا دَاخِلَةٌ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ خَارِجَةٌ فِي الْآخَرِ، ‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏أَنْ يَرْجِعَ عَلَى زَيْدٍ بِنِصْفِ الثَّمَنِ‏)‏ الَّذِي لَهُ دَفَعَهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ سِوَى نِصْفِ الْمَبِيعِ، ‏(‏وَ‏)‏ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏أَنْ يَفْسَخَ‏)‏ الْبَيْعَ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ ‏(‏وَيَرْجِعَ‏)‏ مَنْ فَسَخَ مِنْهُمَا ‏(‏بِكُلِّهِ‏)‏ أَيْ الثَّمَنِ، ‏(‏وَ‏)‏ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ‏(‏أَنْ يَأْخُذَهَا كُلَّهَا‏)‏ أَيْ الْعَيْنَ بِكُلِّ الثَّمَنِ ‏(‏مَعَ فَسْخِ الْآخَرِ‏)‏ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ، ‏(‏وَإِنْ سَبَقَ تَارِيخُ‏)‏ بَيِّنَةِ ‏(‏أَحَدِهِمَا فَهِيَ‏)‏ أَيْ الْعَيْنُ ‏(‏لَهُ‏)‏ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ بِسَبْقِهِ، ‏(‏وَلِلثَّانِي‏)‏ عَلَى بَائِعِهِ ‏(‏الثَّمَنُ‏)‏ إنْ كَانَ قَبَضَهُ مِنْهُ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ بَيْعِهِ، ‏(‏وَإِنْ أُطْلِقَتَا‏)‏ أَيْ بَيِّنَتَاهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ أُطْلِقَتْ ‏(‏إحْدَاهُمَا تَعَارَضَتَا فِي مِلْكٍ‏)‏ أَيْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِيَيْنِ ‏(‏إذَنْ لَا فِي شِرَاءٍ‏)‏ لِجَوَازِ تَعَدُّدِهِ بِخِلَافِ الْمِلِكِ، ‏(‏فَيُقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ‏)‏ الْبَائِعِ لَهُمَا ‏(‏دَعْوَاهَا‏)‏ لِنَفْسِهِ ‏(‏بِيَمِينٍ‏)‏ وَاحِدَةٍ ‏(‏لَهُمَا‏)‏ أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ادَّعَى اثْنَانِ ثَمَنَ عَيْنٍ بِيَدِ ثَالِثٍ كُلٌّ مِنْهُمَا‏)‏ يَقُولُ ‏(‏إنَّهُ اشْتَرَاهَا‏)‏ كُلَّهَا ‏(‏مِنْهُ بِثَمَنٍ سَمَّاهُ‏)‏ فِي دَعْوَاهُ، ‏(‏فَمَنْ صَدَّقَهُ‏)‏ مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ مِنْهُمَا أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ، ‏(‏أَوْ‏)‏ مَنْ ‏(‏أَقَامَ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏بَيِّنَةً‏)‏ بِدَعْوَاهُ ‏(‏أَخَذَ مَا ادَّعَاهُ‏)‏ مِنْ الثَّمَنِ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَا أَقَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَيِّنَةً ‏(‏حَلَفَ‏)‏ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْعَقْدِ، ‏(‏وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَهُوَ مُنْكِرٌ‏)‏ دَعْوَاهُمَا، ‏(‏فَإِنْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا و‏(‏تَسَاقَطَتَا‏)‏ لِعَدَمِ إمْكَانَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ ادَّعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ‏(‏وَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخُهُمَا أَوْ أُطْلِقَتَا‏)‏ بِأَنْ شَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِكَذَا، وَلَمْ تَذْكُرْ تَارِيخًا ‏(‏أَوْ‏)‏ أُطْلِقَتْ ‏(‏إحْدَاهُمَا‏)‏ بِأَنْ قَالَتْ‏:‏ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِكَذَا فَقَطْ وَأَرَّخَتْ الْأُخْرَى ‏(‏عُمِلَ بِهِمَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا عَقْدَانِ شَهِدَ بِهِمَا بَيِّنَتَانِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مُشْتَرٍ وَاحِدٍ، وَعَقْدُ الشِّرَاءِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِرَافِ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِالْمِلْكِ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ إلَى الثَّانِي ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ الثَّانِي، فَلَا تَعَارُضَ فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنَانِ الْمُدَّعَى بِهِمَا، ‏(‏وَإِنْ‏)‏ كَانَتْ عَيْنٌ بِيَدِ إنْسَانٍ فَادَّعَاهَا اثْنَانِ فَ ‏(‏قَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ غَصَبَنِيهَا وَ‏)‏ قَالَ ‏(‏الْآخَرُ‏:‏ مَلَّكَنِيهَا أَوْ أَقَرَّ لِي بِهَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ ‏(‏فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ‏)‏؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَتِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ سَبَبُ ثُبُوتِ الْيَدِ‏.‏

وَالْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى إنَّمَا تَشْهَدُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا فَلَا تُعَارِضُهَا ‏(‏وَلَا يَغْرَمُ‏)‏ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ‏(‏لِلْآخَرِ‏)‏ الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ مَلَّكَهُ‏.‏

الْعَيْنَ أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا ‏(‏شَيْئًا‏)‏ لِعَدَمِ مُقْتَضِيهِ، إذْ بُطْلَانُ التَّمْلِيكِ أَوْ الْإِقْرَارِ لِثُبُوتِ مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ رَدَّ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَعَّيَيْنِ‏:‏ غَصَبَنِيهَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَكَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ عَلَى مَا سَبَقَ‏.‏

‏(‏وَإِنْ ادَّعَى‏)‏ رَبُّ دَارٍ عَلَى آخَرَ ‏(‏أَنَّهُ آجَرَهُ الْبَيْتَ‏)‏ أَيْ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّارِ ‏(‏بِعَشَرَةٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ‏:‏ بَلْ‏)‏ آجَرَتْنِي ‏(‏كُلَّ الدَّارِ‏)‏ بِالْعَشَرَةِ ‏(‏وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ شَهِدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِمَنْ أَقَامَهَا بِدَعْوَاهُ، ‏(‏تَعَارَضَتَا وَلَا قِسْمَةَ هُنَا‏)‏ أَيْ لَا يُقَسِّمَانِ بَقِيَّةَ مَنْفَعَةِ الدَّارِ قُلْت‏:‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُؤَجِّرِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ إجَارَةَ غَيْرِ الْبَيْتِ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ ثَوْبَيْنِ أَحَدُهُمَا بِعَشَرَةٍ وَالْآخَرُ بِعِشْرِينَ، ثُمَّ لَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا ثَوْبُ هَذَا مِنْ ثَوْبِ هَذَا، أَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْأَجْوَدَ أَنَّهُ لَهُ فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ‏:‏ يُقْرَعُ بَيْنهمَا فَأَيُّهُمَا أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَأَخَذَ الثَّوْبَ الْجَيِّدَ وَالْآخَرُ لِلْآخِرِ، أَيْ‏:‏ لِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا عَيْنًا بِيَدِ غَيْرِهِمَا‏.‏

بَابٌ‏:‏ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ

وَهُوَ التَّعَادُلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، يُقَالُ‏:‏ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ إذَا تَقَابَلَتَا أَيْ أَثْبَتَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا نَفَتْهُ الْأُخْرَى فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَتَسْقُطَانِ، وَعَارَضَ زَيْدٌ عَمْرًا إذَا كَانَ أَتَاهُ بِمِثْلِ مَا أَتَاهُ‏.‏

‏(‏مَنْ قَالَ‏)‏ لِقِنِّهِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ‏(‏مَتَى قُتِلْت فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَى قِنِّهِ‏)‏ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ‏(‏قَتْلَهُ‏)‏ أَيْ أَنَّهُ مَاتَ قَتِيلًا ‏(‏إلَّا بِبَيِّنَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ، ‏(‏وَتُقَدَّمُ‏)‏ بَيِّنَةُ قِنٍّ بِقَتْلِهِ ‏(‏عَلَى بَيِّنَةِ وَارِثٍ‏)‏ بِأَنَّهُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ؛ لِأَنَّ مَعَ الْأُولَى زِيَادَةَ عِلْمٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَلِقِنٍّ تَحْلِيفُ وَارِثٍ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ‏)‏ قَالَ سَيِّدُ عَبْدَيْنِ فَأَكْثَرَ‏:‏ إنْ ‏(‏مِتَّ فِي الْمُحَرَّمِ فَسَالِمٌ حُرٌّ وَ‏)‏ إنْ مِتَّ ‏(‏فِي صَفَرٍ فَغَانِمٌ حُرٌّ‏)‏ ثُمَّ مَاتَ ‏(‏وَأَقَامَ كُلٌّ‏)‏ مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ ‏(‏بَيِّنَةً بِمُوجَبِ عِتْقِهِ تَسَاقَطَتَا‏)‏؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَنْفِي مَا تُثْبِتُهُ الْأُخْرَى ‏(‏وَرَقَّا‏)‏ لِجَوَازِ مَوْتِهِ فِي غَيْرِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ لِمَا سَبَقَ ‏(‏كَمَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ‏)‏ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ‏(‏وَجُهِلَ وَقْتُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَقْتُ مَوْتِهِ، فَيَرِقَّانِ لِمَا سَبَقَ، ‏(‏وَإِنْ عُلِمَ مَوْتُهُ فِي أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الشَّهْرَيْنِ وَجُهِلَ أَهُوَ الْمُحَرَّمُ أَوْ صَفَرٌ ‏(‏أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ إنْ قَالَ‏:‏ ‏(‏إنْ مِتَّ فِي مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ‏.‏

وَإِنْ بَرِئْتُ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏فَغَانِمٌ‏)‏ حُرٌّ ثُمَّ مَاتَ ‏(‏وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ‏)‏ أَيْ أَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً بِمُوجَبِ عِتْقِهِ ‏(‏تَسَاقَطَتَا‏)‏ أَيْ بَيِّنَتَاهُمَا ‏(‏وَرَقَّا‏)‏ لِنَفْيِ كُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُخْرَى حَكَاهُ الْمُقْنِعُ عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْتَقَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ، وَزَيَّفَ فِي الشَّرْحِ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، إذْ لَا يَخْلُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَاتَ فِي الْمَرَضِ أَوْ بَرِئَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ فِي الْإِنْصَافِ‏:‏ وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، ‏(‏وَإِنْ جُهِلَ مِمَّا مَاتَ وَلَا بَيِّنَةَ أُقْرِعَ‏)‏ بَيْنَهُمَا، فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِئَ أَوْ لَمْ يَبْرَأْ، فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏

‏(‏وَكَذَا إذَا أَتَى بِمَنْ بَدَّلَ فِي‏)‏ بِأَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏ إنْ مِتَّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَسَالِمٌ حُرٌّ، وَإِنْ بَرِئْتُ مِنْهُ فَغَانِمٌ حُرٌّ ‏(‏فِي التَّعَارُضِ‏)‏ إذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمُوجَبِ عِتْقِهِ فَيَسْقُطَانِ وَيَبْقَيَانِ فِي الرِّقِّ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فِي الْمَرَضِ بِحَادِثٍ كَلَسْعٍ، ‏(‏وَمَا فِي‏)‏ صُورَةِ ‏(‏الْجَهْلِ‏)‏ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ ‏(‏فَيَعْتِقُ سَالِمٌ‏)‏؛ لِأَنَّ‏.‏

الْأَصْلَ دَوَامُ الْمَرَضِ وَعَدَمُ الْبُرْءِ‏.‏

‏(‏وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَى مَيِّتٍ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَ‏)‏ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ‏(‏أُخْرَى أَنَّهُ وَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْ سَالِمٍ وَغَانِمٍ ‏(‏ثُلُثُ مَالِهِ‏)‏ أَيْ الْمُوصِي ‏(‏وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ‏)‏ عِتْقَهُمَا ‏(‏عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ‏)‏ لِثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا‏.‏

وَالْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْإِعْتَاقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا فِيهِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَكَذَا الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِاتِّحَادِ الْمَعْنَى فِيهِمَا فَإِنَّ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ عَتَقَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، كَمَا لَوْ أَعْتَقُوهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، ‏(‏وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ غَانِمٍ وَارِثَةً فَاسِقَةً‏)‏ وَلَمْ تُكَذِّبْ الْأَجْنَبِيَّةَ ‏(‏عَتَقَ سَالِمٌ‏)‏ بِلَا قُرْعَةٍ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ غَانِمٍ الْفَاسِقَةَ لَا تُعَارِضُهَا، ‏(‏وَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِقُرْعَةٍ‏)‏ بِأَنْ يَكْتُبَ بِرُقْعَةٍ يَعْتِقُ وَبِأُخْرَى لَا يَعْتِقُ، وَتُدْرَجُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِبُنْدُقَةٍ مِنْ شَمْعٍ أَوْ طِينٍ بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى، وَيُقَالُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ‏:‏ أَخْرِجْ بُنْدُقَةً عَلَى هَذَا وَبُنْدُقَةً عَلَى هَذَا، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَانِمٍ رُقْعَةُ الْعِتْقِ عَتَقَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْوَارِثَةَ مُقَرَّةٌ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ أَيْضًا، ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ ‏(‏عَادِلَةً وَكَذَبَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏الْأَجْنَبِيَّةُ عُمِلَ بِشَهَادَتِهَا‏)‏ لِعَدَالَتِهَا، ‏(‏وَلَغَا تَكْذِيبُهَا‏)‏ الْأَجْنَبِيَّةَ ‏(‏فَيَنْعَكِسُ الْحُكْمُ‏)‏ فَيَعْتِقُ غَانِمٌ بِلَا قُرْعَةٍ لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ سِوَاهُ، وَيَقِفُ عِتْقُ سَالِمٍ عَلَى الْقُرْعَةِ، ‏(‏وَلَوْ كَانَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ الْوَارِثَةُ ‏(‏فَاسِقَةً، وَكَذَّبَتْ‏)‏ الْعَادِلَةُ الْأَجْنَبِيَّةَ ‏(‏أَوْ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ عَتَقَا‏)‏ أَمَّا سَالِمٌ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ عِتْقَ غَانِمٍ وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِعِتْقِهِ وَحْدَهُ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا‏.‏

بِالرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِالْوَصِيَّةِ بِعِتْقِ غَانِمٍ وَحْدَهُ، كَمَا لَوْ كَذَبَتْ الْأُخْرَى، ‏(‏وَلَوْ شَهِدَتْ‏)‏ الْوَارِثَةُ ‏(‏بِرُجُوعِهِ‏)‏ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ ‏(‏وَلَا فِسْقَ‏)‏ بِهَا ‏(‏وَلَا تَكْذِيبَ‏)‏ مِنْهَا لِبَيِّنَةِ سَالِمٍ ‏(‏عَتَقَ غَانِمٌ‏)‏ وَحْدَهُ لِثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ بِلَا تُهْمَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجُرُّ إلَى نَفْسِهَا بِشَهَادَتِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا‏.‏

وَأَمَّا جَرُّهَا وَلَاءَ غَانِمٍ فَيُعَادِلُهُ إسْقَاطُ وَلَاءِ سَالِمٍ عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ إنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ سَبَبِ الْإِرْثِ وَمِثْلُهُ لَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ فِيهِ، كَمَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِالشَّهَادَةِ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَجُوزُ أَنْ يَرِثَ الْمَشْهُودَ لَهُ بِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِأَخِيهِ بِالْمَالِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَرِثَهُ ‏(‏وَلَوْ كَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ‏)‏ وَهِيَ مَا إذَا كَانَتْ الْوَارِثَةُ الْعَادِلَةُ شَهِدَتْ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ ‏(‏وَغَانِمٍ‏)‏ أَيْ قِيمَتِهِ ‏(‏سُدُسُ مَالِهِ عَتَقَا‏)‏ أَيْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ، ‏(‏وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا‏)‏ بِرُجُوعِهِ عَنْ عِتْقِ سَالِمٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِدَفْعِ السُّدُسِ الْآخَرِ عَنْهَا، ‏(‏وَخَبَرُ وَارِثَةٍ عَادِلَةٍ كَ‏)‏ شَهَادَةِ وَارِثَةٍ ‏(‏فَاسِقَةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ، وَسَوَاءٌ فِيهِ الْعَدْلُ وَالْفَاسِقُ ‏(‏وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِعِتْقِ سَالِمٍ فِي مَرَضِهِ وَ‏)‏ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ‏(‏أُخْرَى بِعِتْقِ غَانِمٍ فِيهِ عَتَقَ السَّابِقُ‏)‏ مِنْهُمَا تَارِيخًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ تَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ الْمُنَجَّزَةَ يَبْدَأُ مِنْهَا بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، ‏(‏فَإِنَّ جُهِلَ‏)‏ التَّارِيخُ بِأَنْ أُطْلِقَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا ‏(‏فَأَحَدُهُمَا‏)‏ يَعْتِقُ ‏(‏بِقُرْعَةٍ‏)‏ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْتَقَهُمَا مَعًا فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا‏.‏

لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَوْ يَكُونَ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَشْكَلَ فَيَخْرُجُ بِالْقُرْعَةِ كَنَظَائِرِهِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةُ‏.‏

أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْعَبْدَيْنِ ‏(‏وَارِثَةً‏)‏ وَلَمْ تُنْكِرْ الْأَجْنَبِيَّةُ فَيُعْتَقُ السَّابِقُ إنْ عَلِمَ التَّارِيخَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّابِقُ عَتَقَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ، ‏(‏فَإِنْ سَبَقَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏الْأَجْنَبِيَّةُ‏)‏ تَارِيخًا بِأَنْ قَالَتْ‏:‏ أَعْتَقَ سَالِمًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ، أَوْ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي ثَانِيهِ ‏(‏فَكَذَّبَتْهَا الْوَارِثَةُ‏)‏ بِأَنْ قَالَتْ‏:‏ مَا أَعْتَقَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ إلَّا غَانِمًا عَتَقَ الْعَبْدَانِ‏.‏

أَمَّا سَالِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَنَّهُ السَّابِقُ، وَأَمَّا غَانِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَحْدَهُ لِسَبْقِ عِتْقِهِ، ‏(‏أَوْ سَبَقَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏الْوَارِثَةُ‏)‏ الْبَيِّنَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ، ‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْوَارِثَةُ ‏(‏فَاسِقَةٌ عَتَقَا‏)‏، أَمَّا غَانِمٌ فَلِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِسَبْقِ عِتْقِهِ، وَأَمَّا سَالِمٌ فَلِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَحْدَهُ، ‏(‏وَإِنْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا‏)‏ أَيْ الْعَبْدَيْنِ عَتَقَا بِأَنْ اتَّفَقَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَسْبَقَهُمَا عِتْقًا ‏(‏عَتَقَ وَاحِدٌ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏بِقُرْعَةٍ‏)‏ كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، ‏(‏وَإِنْ قَالَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏الْوَارِثَةُ‏:‏ مَا أَعْتَقَ إلَّا غَانِمًا‏)‏ طَعْنًا فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ ‏(‏عَتَقَ‏)‏ غَانِمٌ ‏(‏كُلُّهُ‏)‏ لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِعِتْقِهِ‏.‏

‏(‏وَحُكْمُ سَالِمٍ إذَنْ كَحُكْمِهِ لَوْ لَمْ تَطْعَنْ‏)‏ الْوَرَثَةُ ‏(‏فِي بَيِّنَةٍ فِي أَنَّهُ يَعْتِقُ إنْ تَقَدَّمَ‏)‏ تَارِيخُ ‏(‏عِتْقِهِ أَوْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ‏)‏ لِعَدَمِ قَبُولِ طَعْنِ الْوَارِثَةِ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ مُثْبِتَةٌ، وَالْوَارِثَةَ نَافِيَةٌ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي، ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏الْوَارِثَةُ فَاسِقَةً وَلَمْ تَطْعَنْ فِي بَيِّنَةِ سَالِمٍ عَتَقَ‏)‏ سَالِمٌ ‏(‏كُلُّهُ‏)‏ لِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ بِعِتْقِهِ، وَلَا مُعَارِضَ لَهُمَا، ‏(‏وَيُنْظَرُ فِي غَانِمٍ فَمَعَ‏.‏

سَبْقِ‏)‏ تَارِيخِ ‏(‏عِتْقٍ أَوْ‏)‏ مَعَ ‏(‏خُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ‏)‏ لِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ دُونَ غَيْرِهِ، ‏(‏وَمَعَ تَأَخُّرِهِ‏)‏ أَيْ عِتْقِ غَانِمٍ ‏(‏أَوْ خُرُوجِهَا‏)‏ أَيْ الْقُرْعَةِ ‏(‏لِسَالِمٍ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ‏)‏ أَيْ غَانِمٍ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَوْ كَانَتْ عَادِلَةً لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إذَنْ شَيْءٌ فَأَوْلَى إذَا كَانَتْ فَاسِقَةً، ‏(‏وَإِنْ كَذَّبَتْ‏)‏ الْوَارِثَةُ ‏(‏بَيِّنَةَ سَالِمٍ‏)‏ الْأَجْنَبِيَّةَ ‏(‏عَتَقَا‏)‏؛ لِأَنَّ سَالِمًا مَشْهُودٌ بِعِتْقِهِ وَغَانِمًا مُقَرٌّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ سَوَاءٌ، ‏(‏وَتَدْبِيرُ‏)‏ رَقِيقٍ ‏(‏مَعَ تَنْجِيزِ‏)‏ عِتْقِ آخَرَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ ‏(‏كَآخَرَ تَنْجِيزَيْنِ مَعَ أَسْبَقِهِمَا‏)‏؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، فَوَجَبَ تَأَخُّرُهُ عَنْ الْمُنَجَّزِ فِي الْحَيَاةِ‏.‏

فَصْلٌ‏:‏ َمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ

وَمَنْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ فَادَّعَى كُلٌّ مِنْ الِابْنَيْنِ ‏(‏أَنَّهُ‏)‏ أَيْ أَبَاهُ ‏(‏مَاتَ عَلَى دِينِهِ، فَإِنَّ عُرِفَ أَصْلُهُ‏)‏ مِنْ إسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ ‏(‏قُبِلَ قَوْلُ مُدَّعِيهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدِّينِ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يُعْرَفُ أَصْلُ دِينِهِ ‏(‏فَمِيرَاثُهُ لِلْكَافِرِ إنْ اعْتَرَفَ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ أَوْ ثَبَتَتْ‏)‏ أُخُوَّتُهُ لَهُ ‏(‏بَيِّنَةٌ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقِرُّ وَلَدَهُ عَلَى الْكُفْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلِاعْتِرَافِهِ بِكُفْرِ أَبِيهِ فِيمَا مَضَى وَادِّعَائِهِ إسْلَامَهُ، فَجُعِلَ أَصْلَ دِينِهِ الْكُفْرَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ يَعْتَرِفُ الْمُسْلِمُ بِأُخُوَّتِهِ وَلَا ثَبَتَتْ بَيِّنَتُهُ ‏(‏فَ‏)‏ مِيرَاثُهُ ‏(‏بَيْنَهُمَا‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ وَالدَّعْوَى، كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا عَيْنًا بِأَيْدِيهِمَا، ‏(‏وَإِنْ جُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ وَأَقَامَ كُلٌّ‏)‏ مِنْهُمَا ‏(‏بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ تَسَاقَطَتَا‏)‏ وَتَنَاصَفَا التَّرِكَةَ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ ‏(‏وَإِنْ قَالَتْ بَيِّنَةٌ تَعْرِفُهُ مُسْلِمًا، وَ‏)‏ قَالَتْ بَيِّنَةٌ ‏(‏أُخْرَى تَعْرِفُهُ كَافِرًا وَلَمْ يُؤَرِّخَا‏)‏ أَيْ الْبَيِّنَتَانِ مَعْرِفَتَهُمَا لَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُودِ بِهِ، ‏(‏وَجُهِلَ أَصْلُ دِينِهِ فَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِ‏)‏ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَتَيْنِ إذْ الْإِسْلَامُ يَطْرَأُ عَلَى الْكُفْرِ وَعَكْسِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ‏.‏

‏(‏وَتُقَدَّمُ‏)‏ الْبَيِّنَةُ ‏(‏النَّاقِلَةُ إذَا عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ فِيهِنَّ‏)‏؛ لِأَنَّ مَعَهَا عِلْمًا لَمْ تَعْلَمْهُ الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظَائِره ‏(‏وَلَوْ شَهِدَتْ‏)‏ بَيِّنَةٌ ‏(‏أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَ‏)‏ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ ‏(‏أُخْرَى أَنَّهُ مَاتَ نَاطِقًا بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ تَسَاقَطَتَا‏)‏ سَوَاءٌ ‏(‏عُرِفَ أَصْلُ دِينِهِ أَوْ لَا‏)‏؛ لِأَنَّهُمَا أَرَّخَتَا وَقْتًا وَاحِدًا هُوَ سَاعَةُ مَوْتِهِ فَتَعَارَضَتَا، ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَيْ كَمَنْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا، فَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ‏.‏

مَاتَ عَلَى دِينِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ ‏(‏إنْ خَلَّفَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ‏)‏ خَلَّفَ ‏(‏أَخًا وَزَوْجَةً مُسْلِمَيْنِ وَابْنًا كَافِرًا‏)‏؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ ثُبُوتِ دَعْوَاهُمْ وَرَثَةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُمْ وَدَعْوَى الِابْنِ‏.‏

قَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَا تَقَدَّمَ‏:‏ إنَّ الْمُسْلِمَ إنْ كَانَ مُعْتَرِفًا بِأُخُوَّةِ الْكَافِرِ حُكِمَ بِهِ لِلْكَافِرِ، فَلَوْ اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ وَالْأَخُ الْمُسْلِمَانِ بِكَوْنِ الْكَافِرِ ابْنًا لِلْمَيِّتِ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ، لَا يُقَرُّ عَلَى نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ، فَبَقَاؤُهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَدُلُّ عَلَى إسْلَامِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِهِ لِلْكَافِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ‏.‏

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ‏:‏ وَعَلَى كُلٍّ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَفِي الْفُرُوعِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ تَغْلِيبًا لَهُ مَعَ الِاشْتِبَاه‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَيُدْفَنُ مَعَنَا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ‏:‏ وَيُدْفَنُ وَحْدَهُ ‏(‏وَمَتَى نَصَّفْنَا الْمَالَ‏)‏ الْمُخَلَّفَ عَنْ الْمُخْتَلَفِ فِي دِينِهِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي ‏(‏فَنِصْفُهُ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ‏)‏ لِلْأُمِّ ثُلُثُهُ وَبَاقِيهِ لِلْأَبِ وَلِلِابْنَيْنِ نِصْفُهُ، ‏(‏وَ‏)‏ مَتَى نَصَّفْنَاهُ فِي الْمِثَالِ الثَّالِث فَ ‏(‏نِصْفُهُ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَخِ عَلَى أَرْبَعَةٍ‏)‏ رُبْعُهُ لِلزَّوْجَةِ وَبَاقِيهِ لِلْأَخِ‏.‏

‏(‏وَمَنْ‏)‏ أَسْلَمَ و‏(‏ادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ عَلَى مَوْتِ مُورِثِهِ الْمُسْلِمِ أَوْ‏)‏ ادَّعَى تَقَدُّمَ إسْلَامِهِ ‏(‏عَلَى قَسْمِ تَرِكَتِهِ‏)‏ أَيْ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ ‏(‏قُبِلَ‏)‏ ذَلِكَ مِنْهُ ‏(‏بِبَيِّنَةٍ‏)‏ تَشْهَدُ لَهُ ‏(‏أَوْ تَصْدِيقِ وَارِثٍ‏)‏ مَعَهُ لِدَعْوَاهُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى كُفْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏)‏ مَنْ كَانَ كَافِرًا‏:‏ ‏(‏أَسْلَمْتُ فِي مُحَرَّمٍ وَمَاتَ‏)‏ مُورِثِي ‏(‏فِي صَفَرٍ وَقَالَ الْوَارِثُ‏)‏ غَيْرَهُ ‏(‏مَاتَ‏)‏ مُورِثُنَا ‏(‏قَبْلَ مُحَرَّمٍ وَرِثَ‏)‏؛ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْمُحَرَّمِ وَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَوْتِ هَلْ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ‏؟‏‏.‏

وَالْأَصْلُ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي تَأَخُّرِ الْمَوْتِ‏.‏

‏(‏وَلَوْ خَلَّفَ حُرٌّ ابْنًا حُرًّا وَابْنًا كَانَ قِنًّا فَادَّعَى‏)‏ الَّذِي كَانَ قِنًّا ‏(‏أَنَّهُ عَتَقَ وَأَبُوهُ حَيٌّ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ‏)‏ بِدَعْوَاهُ ‏(‏صُدِّقَ أَخُوهُ فِي عَدَمِ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ الْعِتْقِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الرِّقِّ، ‏(‏وَإِنْ ثَبَتَ عِتْقُهُ بِرَمَضَانَ فَقَالَ الْحُرُّ‏:‏ مَاتَ أَبِي فِي شَعْبَانَ وَقَالَ الْعَتِيقُ‏:‏ بَلْ فِي شَوَّالٍ صُدِّقَ الْعَتِيقُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاةِ الْأَبِ إلَى شَوَّالٍ، ‏(‏وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّ مَعَ التَّعَارُضِ‏)‏ بِأَنْ أَقَامَ الْعَتِيقُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مَاتَ بِشَوَّالٍ وَأَقَامَ الْحُرُّ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِشَعْبَانَ؛ لِأَنَّ مَعَ بَيِّنَةِ الْحُرِّ زِيَادَةَ عِلْمٍ‏.‏

‏(‏وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلٍ فَشَهِدَا‏)‏ أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا ‏(‏عَلَى الْأَوَّلَيْنِ‏)‏ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا ‏(‏بِهِ‏)‏ أَيْ الْقَتْلِ ‏(‏فَصَدَّقَ الْوَلِيُّ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُسْتَحِقُّ الدَّمِ الشَّاهِدَيْنِ ‏(‏الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ‏)‏ أَيْ‏:‏ دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا ‏(‏حُكِمَ لَهُ بِهِمَا‏)‏ أَيْ بِالشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لِرُجْحَانِهِمَا بِتَصْدِيقِ الْمَشْهُودِ لَهُ، ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ صَدَّقَ الْجَمِيعُ أَوْ الْأَخِيرَيْنِ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعُ أَوْ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ، ‏(‏فَلَا شَيْءَ لَهُ‏)‏ لِسُقُوطِ شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا؛ لِاتِّهَامِهِمَا بِالدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِذَلِكَ‏.‏

وَتَصْدِيقُ الْوَلِيِّ لَهُمَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَ الْجَمِيعَ بِأَنْ قَالَ قَتَلُوهُ كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا الْقَتْلَ بِالشَّهَادَةِ، فَلَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، ‏(‏وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِتَلَفِ ثَوْبٍ وَقَالَتْ‏:‏ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ وَ‏)‏ شَهِدَتْ ‏(‏أُخْرَى‏)‏ أَنَّ قِيمَتَهُ ‏(‏ثَلَاثُونَ ثَبَتَ الْأَقَلُّ‏)‏ وَهُوَ الْعِشْرُونَ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ دُونَ الزَّائِدِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ‏.‏

‏(‏وَكَذَا لَوْ كَانَ بِكُلِّ قِيمَةٍ شَاهِدٌ‏)‏ وَاحِدٌ فَيَثْبُتُ الْأَقَلُّ لِمَا تَقَدَّمَ، ‏(‏وَ‏)‏ الْعَيْنُ ‏(‏الْقَائِمَةُ كَعَيْنِ الْيَتِيمِ يُرِيدُ الْوَصِيُّ بَيْعَهَا أَوْ‏)‏ يُرِيدُ ‏(‏إجَارَتَهَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهَا‏)‏ عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ اخْتَلَفَا فِي ‏(‏أُجْرَةٍ مِثْلِهَا‏)‏ عِنْدَ إرَادَةِ إجَارَتِهَا، ‏(‏أُخِذَ‏)‏ أَيْ عُمِلَ ‏(‏بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ‏)‏ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ، ‏(‏فَإِنَّ احْتَمَلَ مَا شَهِدَتْ بِهِ أَخَذَ بَيِّنَةَ الْأَكْثَرِ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَجَّرَ حِصَّةَ مُوَلِّيهِ‏)‏ أَيْ مَحْجُورِهِ ‏(‏بِأُجْرَةٍ مِثْلِهَا، وَ‏)‏ شَهِدَتْ ‏(‏بَيِّنَةٌ‏)‏ أُخْرَى أَنَّهُ أَجَّرَهَا ‏(‏بِنِصْفِهَا‏)‏ أَيْ نِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِهَا فَيُؤْخَذُ بِمَنْ يُصَدِّقُهَا الْحِسُّ فَإِنْ اُحْتُمِلَ فَبَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ‏.‏